لما فيها من التناقض, ويشبه أن يكون من قال بالتأويل الثاني فزع إليه, لأنه رأى اللفظ مستكرهًا على المعنى الأول, لأن القاتل إذا قال: ضرب فلان بسهمه في الهدف بمعنى أصابه, كان كلامًا ساقطًا مرذولًا, وهو يرى أن معنى الكلمة أن عينيها كالسهمين النافذين في إصابة قلبه المجروح, فلما بكتا وذرفتا بالدموع كانتا ضاربتين في قلبه, ولكن من حمل على التأويل الثاني سلم من الخلل الواقع في اللفظ, ولكنه إذا حمل على الثاني فسد المعنى واختل, لأنه إن كان محبًا على ما وصف به نفسه من الصبابة, فقلبه كله لها, فكيف يكون بكاؤها هو الذي يخلص قلبه لها!
واعلم أن هذا البيت غير ملائم للبيت الذي قبله, ولا متصل به في المعنى, وهو منقطع عنه, لأنه لم يسبق كلام يقتضي بكاءها, ولا سبب يوجب ذلك, فتركيبه هذا الكلام على ما قبله فيه اختلال, ثم لو سلم له بيت من عشرين بيتًا, وكان بديعًا لا عيب فيه, فليس بعجيب, لأنه لا يدعى على مثله أن كلامه كله متناقض, ونظمه كله متبلين, وإنما يكفي أن نبين أن ما سبق من كلامه إلى هذا البيت, مما لا يمكن أن يقال: إنه يتقدم فيه أحدًا من المتأخرين فضلًا عن المتقدمين, وإنما قدم في شعره لأبيات قد برع فيها, وبان حذقه فيها, وإنما أنكرما أن يكون شعره متناسبًا في الجودة, ومتشابهًا في صحة المعنى واللفظ, وقلنا: إنه يتصرف بين وحشي غريب مستنكر, وعربية كالمهمل مستكرهة, وبين كلام سليم متوسط, وبين عامي سوفي في اللفظ والمعنى, وبين حكمة حسنة, وبين سخف مستشنع, ولهذا قال الله تعالى: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرا} [النساء/٨٢]. انتهى كلام الباقلاني.
وفيه تحامل شديد عليه كما لا يخفى.
وامرؤ القيس: شاعر جاهلي ترجمناه ترجمة مبسوطة في شرح الشاهد التاسع والأربعين من أبيات شرح الكافية للرضي.