للضرورة مستحسناً في لكلام، ولهذا نظائر، فكذلك إضمار "إن" يكون فيما ذهب إليه مستحسناً وإن كان إضمار الجازم إنما جاء في الشعر. ويقرب من هذا ما أجاب أبو بكر، وقد سأله سائل عن تجويزهم الإضمار قبل الذكر في مثل: ضربوني وضربت قومك، فقال: لما كان هنا أمران مستكرهان عندهم في الاختيار وهما: إخلاء الفعل من الفاعل، وإضماره قبل ذكره، ولم يكن إلى إخلاء الفعل من الفاعل سبيل؛ اختير الإضمار قبل الذكر، على أن في إضمار "إن" من المزية والحسن على إضماء اللازم وسائر الجوائم، أنها قد اتسع فيها ما لم يتسع فيهن، فأولي الاسم في الكلام، كقوله تعالى:(وإنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ)[النساء/ ١٢٨] وغير ذلك مما تختص به "إن" وليس في غيرها من الجوازم ما يضمر، وإضمارها أيضاً أحسن من إضمار غيرها، لا سيما وقد جرى ذكرها قبل، وجرى ذكل الشيء مما يسهل إضماره، لتقريب الدلالة على المضمر، ألا ترى أن سيبويه أجاز: بمن تمرر أمرر، ولم يجز: من تضرب أنزل، حتى تقول: عليه، إلا في الشعر؛ لجري ذكر الحرف في الأول، ولم يجزه في المسألة الثانية لما لم يجر ذكره، وقال فيما حكاه عن يونس في قولهم: مررت برجل صالح، وإن لا صالحاً فطالحاً، من أن من العرب من يقول: إلا صالح فطالح؛ هذا قبيح ضعيف، لأنك تضمر بعد "إن لا" فعلاً آخر غير الذي ذكر بعد إن لا في قولك إن لا يكن صالحاً فطالح، ولا يجوز أن يضمر الجار، ولكنهم لما ذكروه في أول كلامهم، شبهوه بغيره [من الفعل]، وكان هذا عندهم أقوى إذا أضمر "رب" ونحوه في قوله:
وبلدة ليس بها أنيس
فاعلم بهذا أن حرف الجزاء إذا جرى ذكره مكان إضماره أقوى من إضماره إذا لم يجر ذكره، إذا كان هذا هكذا في الحروف الجارة، كانت الجازمة مثله، لأن الجارة في الأسماء مثل الجوازم في الأفعال، فكذلك يكون تقدير "إن" وإضماره،