على أن ابن مالك مثل لمثل ما تقدم قبله، ونظر المصنف فيه بأن النكرة موصوفة بالظرف، والبيت من أبيات ثمانية، لعبد الله بن الدمينة، أوردها أبو تمام في باب النسيب من "الحماسة" وهي:
ولما لحقنا بالحمول ودونها ... خميص الحشاتوهي القميص عواتقه
قليل قذى العينين تعلم أنه ... هو الموت إن لم تصر، عنا بوائقه
عرضنا فسلمنا فسلم كارهاً ... . . . . . البيت
فسايرته مقدار ميل وليتني ... بكرهي له مادام حياً أرافقه
ولما رأت أن لا وصال وأنه ... مدى الصرم ممدود عليه سرادقه
رمتني بطرف لو كمياً رمت به ... لبل نجيعاً نحره وبنائقه
ورحنا وكل نفسه قد تصعدت ... إلى النحر حتى ضمها متضائقه
قال التبريزي: يعني بخميص الحشا: قيم المرأة التي شبب بها، والعاتق: موضع نجاد السيف من الكتف، وصفه بقلة اللحم، لأن ذلك مما يمدح به الرجل، يريد أن القميص لا يقع من عاتقه على وطئ، لأن عظامه غير مكسوة باللحم، وأراد بالحمول: الظعائن وأثقالها.
وقوله:"قليل قذى العينين" يصفه بحدة النظر، وأنه ليس بعينيه غمص، فهو أحد لنظره، وإنما يريد مراعاته أهله لشدة الغيرة، فنحن نخاف من صولته، وإن لم تصرف عنا واثقه، واستعمل "تصرى" في معنى تصرف، والبوائق: الدواهي.
وقوله:"عرضنا ... إلى آخره" يقول: سلمنا عليه وهو كاره لقربه منا ولقربنا منه، إذ كان بغار على نسائه، وانتصب "كارهاً" على الحال، وتبريح: تشديد، وبرح: شدة، وانتصب "مقدار ميل" على الظروف، وأرافقه: خبر ليت.