لاشتباه قصة هذا اشعر عليه، ثم أنه عمد إلى عجز الابيات، فجعله صدرها، وفي لفظ الابيات فساد أيضا وهو قوله:
ثم ابعثوا حكما بالغيب علا ما
وإنما هو:
أو ابعثوا حكما بالغيب علا ما
وقوله:"ابلغ ابا مالك .. " وهو آخر الابيات، فجعه أبو عبد الله أولها، وصوابه: ابلغ بني مالك .. " وكنت ذكرت لك أن مثل هذا الشعر إذا لم يعرف قصته، لم يعرف معناه البتة، وكان من قصة ذلك: أنه خرج غلام من بني سعد بن ثعلبة، وغلام من بني مالك بن مالك في إبل لهما، ومع السعدي سيف له، فقال المالكي: والله ما في سيفك هذا خير، ولو ضربت به عنقي ما قطعه، قال: مد عنقك، قال ففعل، فضرب السعدي عنقه فقطعه، فخرجت بنو مالك وأخذوا السعدي، فقتلوه، فاحتربت بنو سعد بن ثعلبة وبنو ماك، فمشت الشعراء بينهم، فقال بنو سعد بن ثعلبة: لا نرضى حتى نعطى مائة من صاحبنا، ويعطى بنو ماك سبعين، فغضب هم بنو سعد بن مالك، فقال أبو مكعت أخو بني سعد بن مالك
إن اذين قتلتم أمس سيدهم ... لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما
من يولهم صاحا نمسك بجانبه ... ومن يضمهم فإيانا إذن ضاما
أدوا الذي نقصت سبعين من مائة ... وأبعثوا حكما بالحق علاما
أي: أدونا مائة كاملة، فإذا وضعت سبعين من مائة، بقيت ثلاثون، فكأنه قال: أدوا الدية التي التزمتم منها سبعين من مائة.
أو آذونا بحرب نأتكم سحرا ... حرب تغادر تحت النقع أقواما
أبلغ بني مالك عن مغلغلة ... أن السنان إذا ما أكره أعتاما
انتهى كلام "ضالة الاديب" ولم يذكر أن القصة اسلامية أو جاهلية. وضامة يضيمه ضيما: ظلمه، ومغلغلة: رساة سائرة جارية كتغلغل الماء في الاشجار.