[البقرة/ ٦٨]، وهذا عندنا غير جائز، لأن إقامة المفرد مقام المفعولين ليس بقياس وأيضاً، فإن ذلك ليس فيه ما سوغ في أن وموضعها موضع المفعولين من الطول وجريان المفعولين بالذكر في الصلة، فإذا لم يكن ذلك قياساً جعلنا قول العرب: ظننت ذلك إشارة للمصدر، لأن ذلك قد ثبت في مثل قوله تعالى:(ولَمَن صَبَرَ وغَفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ)[الشورى/ ٤٣]، أي: إن صبره. ومما يدل على فساد مذهبه قول الشاعر:
يا عمرو إنك قد مللت صحابتي .. البيت
فأتى مع ذكر المفعولين بذلك، ولو كان "ذاك" إشارة إلى المفعولين لم يحتج إلى ذكرها مع ذكر المفعولين، وهما صحابتيك، وقليل، فدل ذلك على أن "ذاك" إشارة إلى المصدر، وهذا البيت من قبيل ما ذكرنا من قبل أنه يجوز الإلغاء مع تأكيد الفعل بالإشارة إلى المصدر.
وقد رد الفارسي أيضاً على المازني، إذ لو جاز أن يكون "ذاك" إشارة للمفعولين مع هذه الأفعال لجاز مع عدمها، فكنت تقول في جواب من قال: هل زيد قائم؟ ذاك، أي: زيد قائم، فامتناع العرب من ذلك والنحويين، دليل على أن ذلك عند العرب ليس قياساً، لكن الذي يفسد مذهبه ما قدمناه. إلى هنا كلام الخفاف، ونقلناه برمته، لأنه يتعلق بمسألة غريبة قل من ذكرها.
وكأن الدماميني لم يقف على ما في "شرح الكافية" لابن مالك، ولم يستحضر وقوع اسم الإشارة مصدراً مؤكداً للأفعال الناسخة في باب ظن، ولو استحضر ذلك، لم يكن يقول: الذي يظهر لي أن ذلك إشارة إلى الملل المفهوم من قوله: مللت، أو إلى الأمر الذي تضمنه هذا البيت، والمعنى: إنك قد مللت صحبتك إياي، وصحبتي إياك فيما أخاله وأظنه، وهذا الأمر قليل في الأصحاب. فقوله "ذاك" مبتدأ أخبر عنه بقليل، وقوله:"إخال" جملة ألغي فعلها، وأتى بها بعد الجملة