للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صلى الله تعالى عليه وسلم, فأخرجها من فيه, وقال: «أما علمت» وفي بعض النسخ: «ما علمت» قلت: لا إشكال في هذا الحديث إلا في رواية من روى: «ما علمت» فإن أما هذه مركبة من همزة الاستفهام, وما النافية, وأفاد تركيبها التقرير والتثبيت, فكأن قائل: أما فعلت, قائل: قد فعلت. وأكثر ما يستعمل في هذا المعنى ألم, ومن روى «ما علمت» فأصله «أما علمت» فحذفت همزة الاستفهام, لأن المعنى لا يستقيم إلا بتقديرها. وقد كثر حذف الهمزة إذا كان معنى ما حذفت منه لا يستقيم إلا بتقديرها, ومن حذف الهمزة قبل ما النافية عند قصد التقرير ما أنشد البطليوسي:

ما ترى الدهر قد أباد معدًا ... وأباد القرون من قوم عاد

انتهى كلامه ملخصًا. قال الدماميني: ويمكن أن «ما» في البيت نافية, ولا همزة محذوفة, والكلام خبر محض خوطب به من يعلمه, ولكن عنده غفلة ولنهاك في اللذة, تنزيلًا له منزلة الجاهل, لمخالفته مقتضى العلم, من حيث أن علمه بهلاك هؤلاء يقتضي التيقظ والتحفظ من الاسترسال في الغفلة, وحيث خالف هذا المقتضى, كان كالجاهل الذي لا علم عنده. انتهى.

مراده: تنزيل رؤيته منزلة العلم, لغفلته وانهماكه في اللذات, فنزل العالم به منزلة الجاهل, وهو بمعنى تنزيل وجود علمه بمنزلة عدمه, ولا فرق بينهما, فلا حاجة للفرق بينهما بما لا طائل تحته, كما أطال ابن الملا الكلام.

وترى: تعلم, والدهر: مفعوله الأول, وجملة «قد أباد معدًا»: في موضع المفعول الثاني. وأباد: أهلك وأفنى. ومعد: ابن عدنان, أبو عرب الحجاز وما يليه, ويطلق على القبيلة, ويجوز أن يراد كل منهما هنا. وإسناد أباد إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>