وكان قد آمنه بعدما أخافه, فأوجهه الحجاج, وملأ بمدحه الأرض, وبلغ أهل الشام وأمير المؤمنين ورواة الناس, ثم إن الحجاج أوفده مع ابنه محمد عاشر عشرة من وجوه أهل العراق, وذلك بعدما أجازه بعشرة من الرقيق وأموال كثيرة, قال: فقدمنا على عبد الملك, فلما حضرنا الباب دخل محمد على عبد الملك, فخطب بين يديه, ثم أجله على سرير عند رجليه, ثم دعانا رجلًا رجلًا, وكلنا له خطبة, فجعل كلما تكلم رجل قطع خطبته, وتكلم جرير فقطع خطبته, وقال: من هذا يا محمد؟ فقال: هو جرير بن الخطفى, قال أمادح الحجاج؟ قلت: نعم, ومادحك يا أمير المؤمنين, فأذن لي أنشدك, أبقاك الله تعالى, وقال: بل هات بالحجاج, فاندفعت في قولي:
إذا سعر الخليفة نار حربٍ ... رأى الحجاج أثقبها شهابا
قال صدقت, هو كذا. قال: ووراني الأخطل جالسًا في الحلقة لا أراه, ثم قال: هات للحجاج, فأنشدته:
طر بت لعهدٍ هيجته المنازل ... وكيف تصا بي المرء والشيب شامل
قال: فما نزعت عنيا حتى خيل لي في وجه الخليفة الغضب, ثم قال: هات للحجاج فأنشدته:
من سد مطلع النفاق عليهم ... أم من يصول كصولة الحجاج