ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح
قال: فضحك وجعل يقول: كذاك نحن, قال: فردها علي, فرددتها عليه, فقال: ويحك أتراها ترويها مائة من الإبل؟ قال: قلت: نعم إن كانت نم نعم كلب, قال: وقد رأيت خمسمائة فريضة من نعم كلب مخضبة ذراها ثنيًا وجذعًا تهيأ للخول, فقال: أخرجوها من الفرائض التي جاءت من نعم كلب مائة من عرض ولا ترذلوها, قال: فشكرت له وفديته, وتشكر له أصحابي ومن شهدني من العرب, ثم قلت: يا أمير المؤمنين إنما نحن أسياخ من أهل العراق, وليس في واحد منا فضل عن راحلته, وإنما الإبل أباق, قال: فنجعل لك أثمانها؟ قال: قلت: لا, ولكن الرعاء يا أمير المؤمنين, قال: فنظر إلى جنبتيه, وقال لجلسائه: كم يجزئ لمائة من الإبل؟ فتكلموا على قدر الركاب والظهر, فقالوا: ثمانية, فأمر لي بها, أربعة صقالبة, وأربعة نوبة.
قال: وإذا بعض الدهاقين قد أهدى إليه ثلاث صحفات فضة, فهن بين يديه يقرعهن بخيزرانة, قال: قلت: المحلب يا أمير المؤمنين, جعلني الله فداك! قال: فدفع إلي إحداهن فقال: خذها, لا نفعتك, قلت: بلى, كل ما نلت منك نافع أبقاك الله, ونصرفنا وودعنا.
وقد كتب محمد يوم ودعنا, وأبرد إلى أبيه بالحديث كله, فلما قدمنا على الحجاج قال: أما والله يا ابن الخطفى, لولا أن يبلغ أمير المؤمنين فيجد علي في نفسه لأعطيتك مثلها, ولكن هذه خمسون وأعمالها حنطة تأتي بها أهلك وتميرهم ما عليها, فشكرت له ودعوت, وأمر بأقتابها وأحبالها وأحلاسها وجواليقها من العباء القطواني, وهو مما ينتفع به أهل البادية, قال: فخرجت من الغد محملة كما أمر بها إلى الحي, فإلى هذا يشير قوله:
أعطوا هنيدة يحدوها ثمانية ... ما في عطائهم من ولا سرف