والكلام على هذا البيت أصله لأبي علي، قال في كتاب "الشعر": لا يجوز أن يكون إذ ذاك خبر نحن، كما لا يجوز: زيد أمس، ولكن "إذ" الأولى ظرف لعهدتهم، كأنه قال: عهدتهم إخوانًا، إذ نحن متآخون، أو متألفون إذ ذاك، أي: إذ ذاك كائن. ويحتمل أن يكون "دون الناس" متعلقًا بالخبر المضمر، ويحتمل أن يكون: إخوانًا دون الناس، فإذا قدم الصفة، صار نصبًا على الحال، انتهى كلامه.
وأخذه ابن الشجري كالمصنف، فقال في المجلس الثلاثين من "أماليه" تعريب بيت للأخطل: "كانت منازل ألاف": خبر المبتدأين اللذين هما: نحن وذاك؛ محذوفان، أراد: عهدتهم إخوانًا إذ نحن متألفون أو متأخرون، يدل على التقدير الأول ذكر الألاف، وعلى الثاني ذكر الإخوان. وأراد: إذ ذاك كائن، ولا يجوز أن يكون "إذ ذاك" خبر نحن، لأن ظروف الزمان لا يصح الإخبار بها عن الأعيان، فلو قلت: زيد أمس؛ لم يحصل بذلك فائدة، و"إذ" الأولى ظرف لعدتهم. وأما الثانية، فيعمل فيها الخبر المقدر الذي هو: متألفون، أو متآخون. وأما قوله: دون الناس، فيحتمل أن يكون العامل فيه: عهدتهم، ويحتمل أن تعلقه بالخبر المضمر، كأنك قلت: متألفون دون الناس، ويجوز أن تعلقه بمحذوف غير الخبر المقدر، على أن يكون في الأصل صفة لإخوان، كأنه قال: عهدتهم إخوانًا دون الناس، أي: متصافين دون الناس، فلما قدم على الموصوف صار حالًا، وجاز أن تجعله وصفًا لعين، وحالًا منه، لأنه ظرف مكاني. فإن قيل: إلام توجهت الإشارة بذاك؟ فالجواب: إلى التجاور الذي دل عليه ذكر المنازل. انتهى كلامه.