أمره فيهما بقتلهما، فلما وصلا إلى الحيرة، دفع المتلمس كتابه إلى غلام ليقرأه، فإذا فيه: إذا أتاك المتلمس فاقطع يديه ورجليه، وادفنه حياً، فرمى المتلمس كتابه في نهر الحيرة، وهرب إلى الشام، وأما طرفة فذهب إلى عامله بكتابه، وكان فيه الأمر بقتله أيضاً فقتله. وقد ذكرنا قصتهما بأبسط من هذا في الإنشاد السابع والثلاثين بعد المائة، وفي الإنشاد الرابع والستين بعد المائة أيضاً.
قال ابن خلف: وصف هذا الشاعر راكباً جهدت راحلته، فخاف أن تنقطع به، أو كان خائفاً من عدو يطلبه فخفف رحله بإلقاء ما كان عنده من كتاب وزاد ونعل، وهذا من الإفراط في الوصف، والمبالغة في الدلالة على شدة الجهد أو طلب الفوت وكان الواجب في الظاهر أن يقول: ألقى الزاد كي يخفف رحله والنعل حتى الصحيفة، فيبدأ بالأثقل محملاً، ثم يتبعه الأخف فلم يمكنه. أو يكون قدم الصحيفة، لأن الزاد والنعل أحق عنده بالإبقاء، لأن الزاد يبلغه الوجه الذي يريده، والنعل يقوم له مقام الراحلة إن عطبت فاحتاج إلى المشي، فقد قالوا: كاد المنتعل يكون راكباً. وأقول: إلقاء الصحيفة ابتداءً هو الأهم الواجب، لأنها متضمنة قتله، وهذا هو الواقع في نفس الأمر، ثم لما جدّ في الهرب خاف أن يدرك، فطرح ما يثقله من زاد ونعل وغير ذلك.
والشعر لأبي مروان النحوي قاله في قصة المتلمس حين فرَّ من عمرو بن هند، حكى ذلك الأخفش عن عيسى بن عمر فيما ذكره الفارسي، ونسبه الناس، إلى المتلمس. انتهى. وكذا في "شرح أبيات الجمل" لابن السيد ونسبه ياقوت في "معجم الأدباء" إلى مروان النحوي، لا أبي مروان، قال: سمعت بعض النحويين ينسب إليه هذا الشعر، وقال في ترجمته: هو مروان بن سعيد بن عبّاد بن حبيب