لأن المجرور داخل في الجار، فصار عندهم بمنزلة حرف واحد، فمن ثم قبح، ولكنهم قد يضموونه ويحذفونه فيا كثر من كلامهم، لأنهم إلي تخفيف ما أكثروا استعماله أحوج، قال امرؤ القيس:
ومثلك بكراً قد طرقت وثيّياً ... فألهيتها عن ذي تمائم مغيل
أي: ورب مثلك، ومن العرب من ينصبه علي الفعل، وقال:
ومثلك رهبي قد تركت رذيَّةً ... تلقِّب عينيها إذا سرِّ طائر
سمعنا ذلك ممن يرويه عند العرب، انتهي كلامه. قال الأعلم في البيت الأول: الشاهد فيه خفض مثلك علي إضمار رب، ونصبه علي الفعل بعده، ويروي:
"ومثلك حبلي قد طرقت ومرضعاً" يقول: أنا محب إلي النساء والمراضع علي زهدهن في الرجال، فكيف الأبكار الراغبات! والتمائم: معاذ يعلق علي الصبيان، واحدتها: تميمة، والمغيل: المرضع وأمه حبلي، ويقال: هو الذي يره أمه توطأ، وقال: البيت الثاني، الشاهد فيه نصب مثلك بالفعل الذي بعده، ويجوز جره علي إضمار رب، يخاطب ناقته، والرهبي: الخائفة، والرذيلة: العيبة الساقطة، أي: أعملها في السفر حتى أودعتها الطريق، فكلما مر عليها طائر قلبت عينها رهبة منه وخوفاً أن يقع عليها ليأكل منها. انتهي.
والبيت من معلقة امرئ القيس، وبعده:
إذا ما بكي من خلفها انصرفت له ... بشقٍّ وتحتي شقُّها لم تحوَّل
وقبله:
فقلت لها سيري وأرخي زمانه ... ولا تبعديني من جناك الممِّل