للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشافعيّ. ولد سنة خمس وستين وستمائة. . . وسمع في سنة ثلاث وسبعين وستمائة وهلمّ جرّا وإلى اليوم من أبيه، فأكثر عنه. . . ثم على خلق من أقرانه، ومن الفضلاء والشعراء بالحرمين، ومصر، ودمشق، والقدس، وحلب، وحماه، والإسكندرية، وعدّة مدائن. فمشيخته بالإجازة والسماع فوق الثلاثة آلاف، وكتبه وأجزاؤه الصحيحة في عدّة أماكن، وهي مبذولة للطلبة، وقراءته المليحة الفصيحة الصحيحة مبذولة لمن قصده، وتواضعه وبشره مبذول لكلّ غنيّ وفقير، فالله يلهمه رشده ويمدّ في عمره.

سمعت منه في سنة أربع وتسعين وستمائة» (١).

وقال في «ذيل تاريخ الإسلام»: «. . . حفظ القرآن، والتنبيه، ومقدّمة [ابن الحاجب] (٢) في صغره، وسمع سنة ثلاث وسبعين من أبيه، ومن القاضي عزّ الدين ابن الصائغ، فلما سمعوا «صحيح مسلم» من الإربليّ بعثه والده فسمع الكتاب في سنة سبع، فأحبّ طلب الحديث، ونسخ أجزاء، ودار على الشيوخ،. . . وجدّ في الطلب وذهب إلى بعلبك، ثم ارتحل إلى حلب سنة خمس وثمانين، ومنها ارتحل إلى مصر، وأكثر عن العزّ الحرّاني، وطبقته. وكتب بخطّه الصحيح المليح كثيرا. وخرّج لنفسه وللشيوخ شيئا كثيرا، وجلس في شبيبته مدّة مع أعيان الشهود، وتقدّم في الشروط، ثم اقتصر على جهات تقوم به. ورث من أبيه جملة، وحصّل كتبا جيّدة وأجزاء في أربع خزائن، وبلغ ثبته بضعة وعشرين مجلّدا، وأثبت فيه من كان سمع معه. وله «تاريخ» بدأ فيه من عام مولده، الذي توفي فيه الإمام أبو شامة، فجعله صلة لتاريخ أبي شامة في خمس مجلّدات أو أكثر. وله مجاميع مفيدة كثيرة وتعاليق، وعمل في فنّ الرواية قلّ من بلغ إليه. وبلغ عدد مشايخه بالسماع أزيد من ألفين، وبالإجازة أكثر من ألف.

رتّب ذلك كلّه وترجمهم في مسوّدات متقنة. وكان رأسا في صدق اللهجة والأمانة، صاحب سنّة واتّباع ولزوم للفرائض، خيّرا، متواضعا، حسن البشر، عديم الشرّ، فصيح القراءة، قويّ الدّربة، عالما بالأسماء والألفاظ، سريع السرد مع عدم اللحن والدمج. قرأ ما لا يوصف كثرة، وروى من ذلك جملة وافرة، وكان حليما، صبورا، متودّدا، لا يتكثّر بفضائله، ولا ينتقص بفضائل أخيه، بل يوفّيه فوق حقّه، ويلاطف الناس. وله ودّ في القلوب، وحبّ في الصدور. احتسب عدّة أولاد درجوا، منهم:

محمد، تلا بالسبع، وحفظ كتبا، وعاش ثماني عشرة سنة، ومنهم: فاطمة، عاشت نيّفا وعشرين سنة، وكتبت «صحيح البخاري»، و «أحكام المجد»، وأشياء. وله إجازة عالية عام مولده من ابن عبد الدائم. وإسماعيل بن عزّون، والنجيب، وابن علاّق.

وحدّث في أيام شيخه ابن البخاري. وكان حلو المحاضرة، قويّ المذاكرة، عارفا


(١) كتب الذهبيّ هذه الترجمة في حياة البرزالي، رحمهما الله.
(٢) ما بن الحاصرتين إضافة من (فوات الوفيات ٣/ ١٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>