للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"منهيُّها" والخبر "بآتيك" فإن جر "قاصر" بالعطف على آتيك لم يجز، لأن التقدير: فليس بآتيك منهي الأمور، ولا قاصر عنك مأمور الأمور، ولا يجوز أن تقول: فليس منهي الأمور بقاصر عنك مأمورها، لأن المأمور مضاف إلى ضمير الأمور، وليس بمضاف إلى ضمير المنهي، ولا يجوز أن يخبر عن الشيء بما ليس من فعله ولا فعل سببه، فكيف يجوز أن يجعل قاصراً خبراً عن المنهي، وليس قاصر هو فعل المنهي، ولا هو فعل لسببه، إنما هو فعل المأمور الذي هو مضاف إلى ضمير الأمور؟ وذكر سيبويه قبل إنشاده مسألة فقال: وتقول: ما أبو زينب ذاهبًا، ولا مقيمةٌ أمها، برفع مقيمة، ولا يجوز أن تنصب قيمة، وتعطفه على خبرها وتجعله خيرًا عن الأب، لأن الأم مضافة إلى ضمير زينب، وليس أمها من سبب الأم، ثم أتى بالبيت، وهو في الظاهر نظير المسألة، لأن مأمورها ليس بمضاف إلى ضمير المنهي، إنما هو مضاف إلى ضمير الاسم الذي أضيف إليه المنهي، فهو بمنزلة إضافة الأم إلى زينب، منهيها ولا قاصر عنك مأموره؛ لساغ من طريق اللفظ، والمعنى يبطله، ولكن الشعر يرده، والمعنى: أن منهي الأمور هي التي قد أراد الله، عز وجلَّ، أن لا تكون أيداً، ولا يمكن أحدًا أن ينالها، وجعلها منهية لأنها في تقدير ما قد نهى عن فعله، ومنع من إيقاعه، ومأمورها: ما قال الله تعالى له: كن؛ فكان.

يقول: هون عليك الأمور، ولا تحزن لشيء يفوتك من الدنيا، فما أراد الله أن يرزقك إياه، فما لحزنك وجه. وقاصر عنك: مقصر أن يبلغك وياتيك.

والوجه الثاني من وجهي الجر، وهو وجه أجازه سيبويه في هذا البيت على ضرب من التأويل، وجعل اللفظ كاللفظ بالأمور، وكأنه حين قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>