للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان يشيب [أيضًا] بخرقاء، وهي من بني البكاء بن عامر [بن صعصة] وكان سبب تشبيه بها أنه مرَّ في بعض أسفاره ببعض البوادي، وإذا خرقاء خارجة من خباء لها، فنظر إليها فوقعت في قلبه، فخرق إدواته ودنا منها، وقال: إني رجل علىظهر سفر، وقد تخرقت إدواتي فأصلحها [لي]، يستطعم بذلك كلامها، فقالت: والله إني ما أحسن العمل، وإني لخرقاء، والخرقاء: التي لا تعمل شيئًا بيدها لكرامتها على أهلها، فشبب بها وسماها خرقاء.

[و] قال المفضل الصبي: كنت أنزل على بعض الأعراب إذا حجت، فقال لي يومًا: هل لك في خرقاء صاحبة ذي الرمة"؟ قلت: بلى، فتوجهنا نريدها، فعدل بي عن الطريق بقدر ميل، فإذا أبيات [شعر]، فقرع بابًا منها فخرجت إلينا امرأة حسَّانة بها قوة، فتحدثنا طويلًا فقالت: أحججت قبل هذه؟ قلت: بلى قالت: فما منعك من زيارتي؟ أما علمت أني منسك من مناسك الحج! قلت: وكيف ذلك؟ قالت: أما سمعت قول ذي الرمة:

تمام الحجّ أن تقف المطايا ... على خرقاء واضعة اللَّثام

انتهى كلام ابن قتيبة، وهو صريح في أنّ خرقاء غير ميَّة.

وقال ثعلب: خرقاء هي ميّة، وذلك أن ميّة لقبته بذي الرمة، واسمه غيلان، وذلك أنه مرّ بخبائها قبل أن ينسب بها، فرآها فأعجبته، فأحب الكلام معها، فخرق دلوه وأقبل إليها، وقال: يا فتاة! اخرزي لي هذا الدلو، فقالت: إنني خرقاء –والخرقاء: التي لا تحسن عملًا- فخجل ووضع دلوه على عنقه، وهي مشدودة بقطعة حبل بال، وولّى راجعًا، فعلمت ميّة ما أراد، فقالت: يا ذا الرمة انصرف، فانصرف، فقالت له: إن كنت أنا خرقاء فإن

<<  <  ج: ص:  >  >>