أن يكون بعضًا من مجرور بمن أو في، وكن الفاء بمعنى إلى لا يمنع من تسميتها بالعاطفة فإنَّ "أو" العاطفة تأتي بمعنى إلى، وبمعنى إلَّا، لم يمنع أحد تسميتها عاطفة، قال الفراء في "تفسيره" عند قوله تعالى: {مثلًا مّا بعوضةً}[البقرة/ ٢٦]، وأما الوجه الثالث، وهو أحبها إليَّ: فأن تجعل المعنى على: إنَّ الله لا يستحي أن يضرب مثلًا ما بعوضة إلى ما فوقها، والعرب إذا ألقت "بين" من كلام تصلح "إلى" في آخره، نصبوا الحرفين المخفوضين اللّذين خفض أحدهما ببين والآخر بإلى، فيقولون: مطرنا ما زبالة فالثعلبية، وله عشرون ما ناقةً فجملًا، وهي أحسن الناس ما قرنًا فقدمًا، يراد به ما بين قرنها إلى قدمها، ويجوز أن تجعل القرن والقدم معرفة، فتقول: هي حسنة ما قرنها فقدمها.
فإذا لم تصلح "إلى" في آخر الكلام، لم يجز سقوط "بين" من ذلك أن تقول: داري ما بين الكوفة والمدينة، فلا يجوز أن تقول: داري ما الكوفة فالمدينة، لأنَّ إلى إنما تصلح إذا كان ما بين المدينة والكوفة كله من دارك كما كان المطر آخذًا ما بين زبالة إلى الثعلبية. قال الكسائي: سمعت أعرابيًا يقول، ورأى الهلال: الحمد لله ما إهلالك إلى سرارك، يريد: ما بين إهلالك إلى سرارك، فجعلوا النَّصب الذي في "بين" فيما بعدها إذا سقطت، ليعلم أنَّ معنى بين يراد. وحكى الكسائي عن بعض العرب: الشنق ما خمسًا إلى خمس وعشرين، والشنق: ما لم تجب فيه الفريضة من الإبل.
ولا تصلح الفاء مكان الواو فيما لم تصلح فيه "إلى" كقولك: دار فلان بين الحيرة فالكوفة؛ محالٌ، وجلست بين عبد الله فزيدٍ؛ محال، إلَّا أن يكون مقعدك آخذًا للفضاء الذي بينهما، وإنما امتنعت الفاء من الذي لا تصلح فيه "إلى"، لأن الفعل فيه لا يأتي فيتصل، و"إلى" تحتاج إلى اسمين يكون الفعل بينهما كطرفة عين، وصلحت الفاء في إلى لأنّك تقول: أخذ المطر أوله، فكذا [وكذا] إلى آخره. فلما كان الفعل كثيرًا شيئًا بعد شيء في المعنى، كان فيه تأويل من الجزاء. ومثله