زبالة فالثعلبية فهو مطرنا، فذلك الذي نبغي، فتحولت ما إلى لفظ الذي وأصلها الشرط ولزمت الفاء مراقبة لذلك الأصل ونائبة عن إلى، وقالت العرب: أزورك أشغل ما كنت، فجعلوا "ما" في لفظ الذي، ولذلك أضافوا إليها "أشغل" وأصلها الشرط: ما كنت مشغولًا فإني أزورك فـ"ما" في "مطرنا ما زبالة فالثعلبية" قصتها كقصة ما ذكرنا، ولولا الشرط الذي بنيت المسألة عليه، لم يعطف واحد بالفاء على مخفوض "بين" إذ لا يقال فيما تعرّى من معنى الشرط: المال بين أبيك فأخيك. وحكى الكسائي والفرّاء عن العرب: هي أحسن النَّاس ما قرنًا فقدمًا، معناه: ما بين قرن إلى قدم، فلزمت الفاء لأنَّ "ما" شرط في الأصل ومحسنة ذلك حسن إلى في موضع الفاء، وانتصب ما في هذه المسألة على التفسير، وانتصب القرن بنصب بين المسقط، وعطف القدم على القرن. وقال الفراء: المعرفة بمنزلة النكرة في خلافة "بين" حين يقال: هي حسنة ما قرنها إلى قدمها، وقال الفراء: أنشدني أعرابي من بني سليم:
يا أحسن النَّاس ما قرنًا إلى قدمٍ ... ولا حبال محبٍ واصلٍ تصل
معناه: ما بين قرن إلى قدم، و"ما" في ذا المعنى لا تسقط، فخطأ أن يقال: مطرنا زبالة فالثعلبية، لأنَّ ما وبين اسم واحد يدخل طرفاه فيه، و"ما" هي الحد بين الشيئين، دليل هذا أنَّ الذي يقول: له عليّ ما بين الألف إلى الألفين، يدل بـ"ما" على استبقاء ما بين الألف والألفين، ولو قال: جلست ما بين الدّارين، لم يكن جامعًا لكلّ ما بينهما فأتت الفاء لمذهب الشرط وإن لم يذكر حرف الشرط، كما لزمت الفاء مع "أما" فقيل: أما عبد الله فقائم، لأنَّ المعنى: مهما يكن من شيء فعبد الله قائم، وليست أما عاملة عمل الشرط. إلى هنا كلام أبي حيّان، والذي تركناه أكثر مما كتبناه، وجميعه فوائد جيدة، شكر الله سعيه.
وقوله: يا أحسن الناس ما قرنًا، القرن بفتح القاف: الخصلة من الشعر، وهذا المصراع هو المقدار الذي أنشده المصنف، وهذا القدر هو المشهور وقد أكمله الفراء