للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه، فلما دخلا كسرى قال زيد: هذا كتابه، فقرأه عليه، فقال له كسرى: وأين الذي كنت خبرتني به؟ ! قال: قد كنت خبرتك ببخلهم بنسائهم على غيرهم، وإنَّ ذلك من شقائهم، واختيارهم الجوع والعري على الشبع والريَّاش، وإيثارهم السموم على طيب أرضك هذه، حتى إنهم ليسمونها السِّجن، فأسال هذا الرسول الذي كان معي عما قال، فإني أكرم الملك عن مشافهته بما قال! قال للرسول: وما قال النعمان؟ فقال له الرسول: إنه قال: أما كان في بقر سواد فارس ما يكفيه حتى يطلب ما عندنا؟ فعرف الغضب في وجهه، وسكت كسرى أشهرًا، وسمع النعمان غضبه، ثم كتب إليه كسرى أن أقبل فإنَّ لي حاجة بك، فخافه النعمان، فحمل سلاحه وما قدر عليه، ولجأ إلى قبائل العرب، فلم يجره أحد، وقالوا: لا طاقة لنا بكسرى، حتى نزل بذي قار في بني شيبان سرًّا، فلقي هانئ بن قبيصة فأجاره، وقال له: لزمني ذمامك، وإني مانعك مما أمنع نفسي وأهلي، وإن ذلك مهلكي ومهلكك، وعندي رأي، لست أشير به لأدفعك عما تريده من مجاورتي، لكنه الصواب، فقال: هاته، فقال: إنّ كل أمرٍ يجمل بالرجل أن يكون عليه، إلا أن يكون بعد الملك سوقة، والموت نازل بكل أحد، ولأن تموت كريمًا خير من أن تتجرع الذل، وتبقى سوقة بعد الملك، امض إلى صاحبك واحمل إليه هدايا ومالًا، وألق نفسك بين يديه، فإما أن يصفح عنك فعدت ملكًا عزيزًا، وإما أنّ أصابك فالموت خير من أن تتلعب بك صعاليك العرب، ويتخطفك ذئابها! قال: فكيف بحرمي وأهلي؟ قال: هنَّ في ذمتي لا يخلص إليهنَّ حتى يخلص إلى بناتي، فقال: هذا وأبيك الرأي! ثمَّ اختار خيلًا وحللًا من عصب اليمن، وجواهر وطرفًا كانت عنده، ووجه بها إلى كسرى، وكتب يعتذر إليه، ويعلمه أنه صائر إليه، فقبلها كسرى، وأمره بالقدوم، فعاد إليه الرسول، وأخبره بذلك وأنه لم ير له عند كسرى سوءًا. فمضى إليه، حتى إذا وصل إلى ساباط لقيه زيد بن عدي، فقال له أنج نعيم إن استطعت النجاء، فقال له النعمان: أفعلتها يا زيد؟ ! أما والله لئن عشت لأقتلنك قتلة لم يقتلها عربي قط، فقال له زيد: قد والله أخيَّت لك

<<  <  ج: ص:  >  >>