للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكان عدي أول من كتب بالعربية في ديوان كسرى، فرغب أهل الحيرة إلى عدي ورهبوه، فلم يزل بالمدائن في ديوان كسرى معظمًا، وأبوه زيد كان حيًا إلاَّ أن هيبته قد خملت بذكر ابنه عدي، ثمَّ لما هلك المنذر، اجتهد عدي عند كسرى حتى ملّك النعمان بن المنذر الحيرة، فاغتاظ منه النعمان، وأرسل إلى عدي بأنه مشتاق إليه يستزيره، فلما أتى إليه حبسه، وبقى في الحبس إلى أن جاءه رسول كسرى ليخرجه، خاف النعمان من خلاصه، فغمه حتى مات، وندم النعمان على قتله، وعرف أنه غلب على رأيه، ثم إنه خرج يومًا إلى الصيد، فلقي ابنًا لعدي يقال له زيد، فلما رآه عرف شبهه، فقال له: من أنت؟ قال: واعتذر إليه من أمر أبيه، ثمَّ كتب إلى كسرى يربّيه ويشفع له مكان أبيه، فلولاَّه كسرى، وكان يلي المكاتبة عنه إلى ملوك العرب، وفي خواص أمور الملك، وكان لملوك العجم صفة النساء مكتوبة عندهم، وكانوا يبعثون في تلك الأرضين تلك الصفة، فإذا وجدت حملت إلى الملك، غير أنهم لم يكونوا يطلبونها في أرض العرب، فلمَّا كتب كسرى في طلب تلك الصفة، قال له زيد بن عدي: أنا عارف بآل المنذر، وعند عبدك النعمان بين بناته وأخواته وبنات عنه أكثر من عشرين امرأة على هذه الصفة، فابعثني مع ثقة من رجالك يفهم العربية حتى أبلغ ما تحبه، فبعث معه رجلًا فطنًا، وخرج به زيد، فجعل يكرم الرّجل ويلطفه حتى بلغ الحيرة، فلما دخل على النعمان قال له: إن كسرى قد احتاج إلى نساء لنفسه ولولده، وأراد كرامتك بصهره، فبعث إليك، فقال النعمان لزيد: أما في مها السواد وعين فارس، ما يبلغ به كسرى حاجته؟ ! فقال الرسول لزيد بالفارسية: ما آلمها؟ فقال له بالفارسية: كاوان، أي: البقر، فأمسك الرسول، وقال للنعمان: إنما أراد الملك أن يكرمك، ولو علم أن هذا يشق عليك لم يكتب به إليك، فأنزلهما عنده يومين، ثمَّ كتب إلى كسرى: إنَّ الذي طلب الملك ليس عندي، وقال لزيد: اعذرني عنده، فلما رجعا إلى كسرى قال زيد للرسول: اصدق الملك ليس عنده، فلما رجعا إلى كسرى قال زيد للرسول: اصدق الملك عمّا سمعت، فإني سأحدثه بمثل حديثك ولا أخالفك

<<  <  ج: ص:  >  >>