قال: وهو لامرأة من العرب دعت عليهم بجدع الأنوف. أقول: وكذا نسبه ابن جني في "الخصائص" إلى امرأة من العرب، وأنشده في باب "استعمال الحروف بعضها مكان بعض" سلك طريقة ثالثة غير طريق البصريين والكوفيين وهي التضمين، قال: إذا كان الفعل بمعنى فعل آخر، وكان أحدهما يتعدى بحرف، والآخر بآخر، فإنَّ العرب قد تتسع فتوقع أحد الحرفين موقع صاحبه إيذانًا بأنَّ هذا الفعل في معنى ذلك الآخر، ثمَّ أوَّل جميع ما وقع النيابة من حروف الخفض بالتضمين. وأورد البيت صاحب "الصحاح" في مادة (عبد) وقال: العبدي منسوب إلى عبد القيس، وهي قبيلة، وقال ابن بري في "أماليه" عليه: هذا البيت لسويد بن أبي كاهل، وكذا نسبه إليه في شرح "أدب الكاتب" أيضًا، وكذا نسبه إلى محمّد بن المبارك بن محمّد بن ميمون في كتاب "منتهى الطلب من أشعار العرب" في ضمن قصيدة أوَّلها:
تمنيَّت ليلى أن تريغ بك النَّوى ... وتمنع ليلى منك عذبًا ممنَّعا
ألا إنَّ ليلى لا يرام حديثها ... كبيض الأنوق لا ترى فيه مطمعا
وتريغه: من أراغه، أي: طلبه، بالغين بالمعجمة، وبيض: واحدها بيضة، والأنوق: بفتح الألف وضم النون: الرخمة، وفي مثل:"أعزُّ من بيض الأنوق" لأنها تحجزه فلا يكاد يظفر به، لأنَّ أوكارها في رؤوس الجبال وفي المواضع الصعبة البعيدة، والأنوق واحد وجمع، وقال معاوية لرجل أراده على حاجة لا يسأل مثلها، وهو يفتل له في الذروة والغارب، أي: يخدعه بكلام لين: أنا أجل من الحرش، يريد الخديعة، ثمَّ سأله أخرى أصعب منها، فأنشأ يقول:
طلب الأبلق العقوق فلمَّا ... لم ينله أراد بيض الانوق