وكونها بمعنى "مع" أشبه من كونها بمعنى "من" ورواه الطوسي "أو ثلاثة أحوال" وكل من فسره ذهب إلى أنَّ الأحوال هنا السنون، جمع حول، والقول فيه عندي أن الأحوال هنا جمع حال، وإنما أراد: كيف ينعم من كان أقرب عهده بالنعيم ثلاثين شهرًا، وقد تعاقبت عليه ثلاثة أحوال، وهي اختلاف الرياح، وملازمة الأمطار له، والقدم المغيّر لرسومه، فتكون "في" هنا هي التي تقع بمعنى واو الحال في نحو قولك: مرّت عليه ثلاثة أشهر في نعيم، أي: وهذه حاله. انتهى. وحكى القولين الجواليقي أيضًا في "شرحه".
وقال أبو حيان: وزعم الكوفيون أيضًا والقتي والأصمعي أنها تأتي بمعنى من، واستدلوا على ذلك بقول امرئ القيس: وهل يعمن من كان .. البيت، أي: من ثلاثة أحوال، وخرجه ابن جني على حذف مضاف، والتقدير عنده: في عقب ثلاثة أحوال، قال بعض أصحابنا: والصحيح عندي أن تكون الأحوال جمع حال لا جمع حول، وكأنه قال: في ثلاث حالات، ويكون المراد بالأحوال الثلاثة: نزول الأمطار، وتعاقب الرباح، ومرور الدهور عليها. قال: وإنما لم يسغ عندي ما ذهب إليه أبو افتح؛ لأنَّ المضاف لا يحذف إلاَّ إذا كان عليه دليل، ولا دليل في البيت على ذلك المضاف، لاحتمال أن يكون مراده ما ذكرناه، فلا يحتاج إلى حذف. وقال بعض شيوخنا: إنما يريد أن أحدث عهده خمس سنين ونصف، فلذلك قال: في ثلاثة أحوال، أي: مدخلة فيها. انتهى. ومنه تعلم أن المصنف لخص ما كتبه من هنا وهكذا دأبه في هذا الكتاب.
والبيتان أول قصيدة لامرئ القيس، وهي من عيون شعره، تقدَّم شرح بعض منها في الإنشاد الخامس بعد المائتين وقوله: عم صباحًا، هذه الكلمة تحية عند العرب، يقال: عم صباحًا، وعم مسًاء، وعم ظلامًا. والصباح: من نصف الليل