وهذه القصيدة كانت سبب غضب النعمان عليه، وفراره إلى ملوك غسان بالشام، قال أبو عمرو وابن الأعرابي: كان من حديث النابغة وبدء غضب النعمان عليه أنَّ النعمان كانت عنده المتجردة، وكان النعمان قصيرًا ذميمًا قبيح الوجه أبرش، وكان ماردًا، وكان النابغة ممن يجالسه ويسمر معه، ورجل آخر من بنى يشكر يقال له: المنخَّل، وكان جميلًا يتَّهم بالمتجرّد، وقد ولدت للنعمان غلامين، وكان الناس يزعمون أنهما ابنا المنخّل، وكان النابغة رجلًا حليمًا عفيفًا، وله منزلة يحسد عليها، فقال النعمان يومًا، وعنده المتجرّدة والنابغة: صفها يا نابغة فى شعرك، فقال النّابغة هذه القصيدة، وفيها ذكر أشياء لا يعرفها إلاَّ من ينام معها، كما يأتي بعض أبيات منها، فقال المنخل لما سمع هذا الشعر: لا يستطيع أن يقول هذا الشعر إلاَّ من قد جرَّب! فوقر ذلك في نفس النعمان، ثمَّ اتى النعمان بعد ذلك رهط من بني سعد بن زيدد مناة بن تميم، ثمَّ من بني قريع، فبلّغوه أنَّ النابغة يصف المتجرّدة ويذكر منها، وكان للنعمان بواب يقال له عسام بن شهبر، فأتى النابغة فقال: إنَّ النعمان واقع بك فانطلق، فهرب النابغة إلى غسان، فكان فيهم ومدحهم، وقد كان أتاهم قبل ذلك عند مقتل المنذر، فطلب إليهم في أسارى بني أسد وغيرهم، وفاشتدَّ ذلك على النعمان، وعرف أنَّ الذي بلغه كذب، فبعث إليه: إنك لم تعتذر من سخطه إن كانت بلغتك، ولا كنَّا تغيرنا لك عن شيء مما كنَّا لك عليه، ولقد كان في قومك ممتنع وحصن فتركته، ثمَّ انطلقت إلى قوم قتلوا جدي، وبيني وبينهم ما قد علمت؟ ! وكان النعمان وأبوه وجدّه قد أكرموا النابغة وشرفوه، وأعطوه مالًا عظيمًا. وأرسل النابغة إليه قصائد يعتذر إليه فيها، ويتنصَّل مما رمي فيه. وهي مشهورة، وقد تقدَّم بعض منها في الإنشاد الثالث والعشرين.