للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو حيان فقال: لم يبين سيبويه الجهة التي فيها "قد" بمنزلة "ربما" ولا يدلّ على ذلك التسوية في كلّ الأحكام، بل يستدل بكلام سيبويه على نقيض ما فهمه ابن مالك، وهو أن قد بمنزلة رَّبما في التكثير فقط، ويدل عليه إنشاد البيت، لأنَّ الإنسان لا يفخر بما يقع منه على سبيل القلة والنذرة، وإنّما يفتخر بما يقع منه على سبيل الكثرة، فيكون قد بمنزلة ربّما في التكثير. انتهى. وانتصر بعض الفضلاء لابن مالك فقال: أما قوله: لم يبين سيبويه الجهة التي فيها .. الخ، فإطلاق التسوية كاف في الأحكام كلّها إلّا ما تعين خروجه، وأما قوله: لأنَّ الإنسان .. الخ، فجوابه أن ذلك فيما يمكن وقوعه قليلًا وكثيرًا، فلا يفخر منه إلَّا بالكثير، أمّا ما لا يقع إلَّا نادرًا، فيقع الافتخار منه بالقليل لاستحالة الكثرة فيه، وترك المرء قرنه مصفر الأنامل، كأنَّ أثوابه مجت بفرصاد، يستحيل وقوعه كثيرًا، وإنما يتفق نارًا، فلذلك يفتخر به، لأنَّ القرن هو المقاوم للشخص الكفء له في شجاعته، فلو فرض مغلوبًا معه في الكثير من الأوقات، لم يكن قرنًا له، إذ لا يكون قرنًا إلَّا عند المكافأة غالبًا، إذا تقرر هذا فنقول: لما كان قوله القرن يقتضي أنه لا يغلب قرنه، لأن القرنين غالب أمرهما التعارض، ثمَّ قضى بأنه قد يغلبه؛ حملنا ذلك على القلة صونًا للكلام عن التدافع، وقلنا: المراد أنه يتركه كذلك تركًا لا يخرجه عن كونه قرنًا، وذلك هو الترك النَّادر، لئلَّا يدفع آخر الكلام أوله. والزّمخشري فهم ما فهم أبو حيان من أن قد في البيت للتكثير، فقد اتجهت المؤاخذة على ابن هشام في نقله هذا المعنى عن سيبويه، فإنَّ سيبويه لم يقله نصًا، وإنما فهمه أبو حيان عنه، ثمَّ أبو حيّان ليس جازمًا به، وإنما قاله معارضًا لفهم ابن مالك. ومثل هذا لا يكفي في تسويغ النقل عن سيبويه أنه قال: إنَّ "قد" في البيت للتكثير، وغايته فهم جوّزه أبو حيّان، وسبقه الزمخشري إليه، وهو معارض لفهم ابن مالك أحد المجتهدين في النحو. كذا قال ذلك الفاضل. قلت حاصل كلامه أنَّ التكثير فيه ملزم للتناقض بناء على أنّ القرن هو الكفء، وكثرة مغلوبيه تمنع كونه قرنًا، وقد فرض أنه قرن هذا خلف، وإنما يتم ذلك، أن لو

<<  <  ج: ص:  >  >>