كان المراد بالقرن واحدًا وهو ممنوع، بل الظاهر أنَّ المراد به الجنس، فإذا فرضنا أنه غلب جميع أقرانه وهو مائة مثلًا، كلّ واحد مرّة، حصلت كثرة الغلبة مع انتفاء التناقض، لتعدد المحال، وهذا هو اللائق بمقام الافتخار، وظهر بهذا أنَّ: قوله: لاستحالة الكثرة فيه مستدرك، وأنَّ قوله: إن ذلك فيما يمكن وقوعه قليلًا وكثيرًا فلا يفتخر منه إلَّا بالكثير لا يجديه نفعًا في مرامه، بل هو عليه كما عرفت. إلى هنا كلام الدماميني، ولم يرد على ذلك الفاضل في "شرح التسهيل" وإنما أورد كلامه هناك وسلمه، بل شنع على المصنف غاية التشنيع، وعلم منه أن "الحاشية الهندية" بعد "شرح التسهيل" قال فيه بعد أن نقل اعتراض أبي حيان على ابن مالك: وراج هذا الاعتراض على ابن هشام مع كثرة انتقاده على أبي حيان، فظنّه صحيحًا، وحمله على أن جزم بـ "قد" التكثير في معاني قد، وأنشد عليه البيت، بل ونسب القول بكونها للتكثير إلى سيبويه من غير تلعثم، واعتراض أبي حيان بمدرجة التزييف والرّد، ثمَّ نقل كلام ذلك الفاضل ولم يتعقبه بشيء، وقد حصل جماعة معنى قد في البيت على التكثير، منهم الرضي في "شرح الكافيه" وشراح "المفصّل" وما نقله ذلك الفاضل عن ابن مالك وأبي حيان لم أره في "التسهيل" وشروحه، بل رأيت أبا حيان قد تعقب صاحب "الكشاف" في قوله: إنَّ "قد" في الآية للتكثير، قال في "البحر": وقال الزمخشري (قد نرى): ربَّما نرى، ومعناه كثرة الرؤية، كقوله: قد أترك القرن .. البيت، وهذا على التحقيق متضاد، لأنه شرح: قد نرى بـ "ربَّما" نرى، ورب على مذهب المحققين إنما تكون لتقليل الشيء في نفسه، أو لتقليل نظيره، ثم قال: ومعناه كثرة الرؤية، فهو مضاد لمدلول "ربَّ" على مذهب الجمهور، ثمَّ هذا [المعنى] الذي ادعاه من كثرة الرؤية لا يدلّ عليه اللفظ، لأنه لم يوضع لكثرة قد مع المضارع، سواء أريد به المضي أم لا، وإنما فهمت الكثرة من متعلق الرؤية وهو التقلب،