وقال في "النهر" أيضًا بعد كلام الزمخشري: "ربَّ" على مذهب الجمهور لتقليل الشيء في نظيره أو في نفسه، وتركيب قد مع المضارع لا يدل على الكثرة، بل إن فهمت الكثرة فمن خارج، والكثرة هنا إنما فهمت من متعلق الرؤية، لأنَّ من رفع بصره [إلى السماء] مرّة واحدة لا يقال فيه: قلب بصره، وإنما يقال "قلّب" إذا ردد، فالكثرة ههنا إنما فهمت من التقلب الذي هو مطاوع التقليب. انتهى. و"قد" عند صاحب "الكشاف" ليست موضوعة، وإنما هي في الآية والبيت مستعارة للتكثير، قال التفتازاني تبعًا للقطب والطّيي: يعني صاحب "الكشاف: إن أصل قد في المضارع للتقليل، وقد استعيرت ههنا للتكثير بمناسبة التضاد كـ "ربَّما". انتهى. وقد حقق صاحب "الكشاف" في تفسير سورة التكوير [الآية ١٤] عند قوله تعالى: {علمت نفس ما أحضرت} أنّّ أصل مفاد "قد" التقليل، قال: فإن قلت: كل نفس تعلم ما أحضرت، كقوله:{يوم نجد كل نفس ما عملت من خير محضرًا}[آل عمران/ ٣٠] الأنفس واحدة، فما معنى قوله:{عملت نفس}؟ قلت: هو من عكس كلامهم الذي يقصدون به الإفراط فيما يعكس عنه، ومنه قوله تعالى:{ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين}[الحجر/ ٢] ومعناه معنى كم وأبلغ، ومنه قول القائل: قد أترك القرن .. البيت، وتقول لبعض قواد العسكر: كم عندك من الفرسان؟ فيقول: ربّ فارس عندي، أو: لا تعدم فارسًا عندي، وعنده المقانب. وقصده بذلك التمادي في كثرة فرسانه، ولكنه أراد إظهار براءته من التزيد، وأنه ممن يقلل كثير ما عنده فضلًا أن يتزيد، فجاء بلفظ التقليل، ففهم منه معنى الكثرة على الصحة واليقين. انتهى كلامه. قال الإمام الطيبي هذا الجواب للإمام، وهذا كمن يسأل عالمًا عن