مسألة ظاهرة، ويقول له: هل عندك شيء فيها؟ فيقول: ربما حضر شيء، وغرضه الإشارة إلى أنَّ ما عنده في تلك المسألة ما لا يقوم به غيره، وأراد بالتقليل في قوله: قد أترك ... التكثير لمقام المدح. وقوله: ففهم منه معنى الكثرة على الصحة واليقين، وذلك أن العكس في الكلام إنما يصار إليه للمبالغة، والمتكلم إنما يتمكن منه إذا لم ينازع فيما عكس فيه، وأنه كالمجمع عليه بقرائن الأحوال، ولذلك قال: وتقول لبعض قواد العساكر، وعليه قوله تعالى:{ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} انتهى كلام الطيبي فعلم أن كلا محملي كلام سيبويه صحيح، فمن قال: إن "قد" مثل "ربما" في التقليل، كان باعتبار الوضع. ومن قال: إن قد مثلها في التكثير، كان باعتبار المراد، وبهذا يصح القولان ويزول الخلاف، ولله الحمد والمنَّة.
وقد وقع في "كتاب سيبويه" نسبة البيت على بعض الهذليين، ولم أره في أشعارهم من رواية السكّري، ورأيته من قصيدة لعبيد بن الأبرص الأسدي، أوردها الأصمعي في "الأصمعيات" وهذا مطلعها:
طاف الخيال علينا ليلة الوادي ... من آل أسماء لم يلمم بميعاد
أنَّي اهتدين لركب طال ليلهم ... في سبسبٍ بين دكداك وأعقاد
يطوِّفون الفلا في كل هاجرةٍ ... مثل الفنيق إذا ما حثَّه الحادي
إلى أن قال:
اذهب إليك فإنِّي من بيني أسدٍ ... أهل القباب وأهل المجد والنادي
قد أترك القرن مصفرًّا أنامله ... كأنَّ أثوابه مجَّت بفرصاد
قوله: أنَّ اهتديت: خطاب للخيال، أي: كيف اهتدين؟ التفت من الغيبة على الخطاب، والسبب: المفازة والقفر، والدكداك، بالفتح: ما التبد من الرمل