للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زعم بعضهم أنَّ كانَّ قد تكون للتحقيق دون تشبيه، واستشهد على ذلك بقول الشّاعر: وأصبح بطن مكة .. البيت، وبقول الآخر:

كأنَّني حين أمسي لا تكلِّمني ... ذو نعمةٍ يبتغي ما ليس موجودًا

والصحيح أن كأن لا يفارقها التشبيه، ويخرج البيت الأوَّل على أنَّ هشامًا وإن مات فهو باقٍ ببقاء من يخلفه سائرًا بسيرته. وأجود من هذا أن تجعل الكاف من كأنَّ في هذا الموضع كاف التعليل المرادفة لَّلام. كأنَّه قال:

وأصبح بطن مكَّة مقشعرًا ... لأنَّ الأرض ليس بها هشام

وعلى هذا حمل قوله تعالى: {وي كأنه لا يفلح الكافرون} [القصص/ ٨٢]، فقيل: معناه أعجب لأنه لا يفلح الكافرون. وأكثر ما ترد الكاف بهذا المعنى مقرونة كقوله تعالى: {واذكروه كما هداكم} [البقرة/ ١٩٨]، وأمّا البيت الثاني فلا حجّة فيه، لأنَّ التشبيه فيه يتبين بأدنى تأمل، ثمَّ قال: ويمكن حمل كأنَّ فيه للتشبيه حقيقة دون احتياج إلى ذلك التأويل، وذلك أنَّ الشاعر كان لا يعترف بفقد هشام؛ لأنه لا يرضى أن يحدث نفسه بفقده لكونه عزيزًا عنده، فهو عنده في حكم الموجود، وإذا كان في حكم الموجود، وجب عنده أن لا تقشعرَّ الأرض. فلما اقشعرَّت قال: كأنَّ الأرض ليس بها هشام. وهذا معنى صحيح، وهو أمر يرجع إلى تجاهل العارف.

والبيت من شعر للحارث بن أميّة الصغرى بدون فاء رثى بها هشام بن المغيرة وهي:

أصبح بطن مكَّة مقشعرًا ... كأنَّ الأرض ليس بها هشام

<<  <  ج: ص:  >  >>