للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالجواب: إنَّ من الفضلات ما لا يتم الكلام إلَّا به، كقوله تعالى: {فما لهم عن التذكرة معرضين} [المدثر/ ٤٩] فمعرضين حال من الضمير المخفوض، ولا يستغني الكلام عنها؛ لأنَّ الاستفهام في المعنى إنما هو عنها. وقولهم: مازلت بزيد حتى فعل، لا يتم الكلامُ بقولك: بزيد، ومما يبين صحة الحال جواز دخول الواو، فتقول: كأنك بالشمس وقد طلعت، ونحوه ما حكي عن بعضهم: كأنا بالدنيا لم تكن. وعلى هذا يحمل قول الحريري: "كأني بك تنحط". يكون بك الخبر، وتنحط حال. هذا هو الوجه، وخرجه المطرزي في "شرحه للمقامات": كأني أبصر بك، إلَّا أنه ترك الفعل لدلالة الحال، وما ذكرته أولى؛ لأنه إضمار فعل، وزيادة حرف جرّ لا يحتاج إليه فيما ذكرته. انتهى كلامه بحروفه كما نقله أبو حيان في "تذكرته".

وقد نقل ناظر الجيش التخريج الثاني وهو جعل الجملة حاليًا، وترك التخريج الأول وهو جعلها خبر كأنّ، كما صنع المصنف هنا، وفي: شرح بانت سعاد" وقال: ولا يخفى جودة هذا التخريج وحسنه، وليته تكلم على قولهم كأنك بالشتاء مقبل، وكأنك بالفرج آ، فربما كان يذكر فيه ما يشفي الغليل. انتهى.

أقول: يمكن تخريج هذين أيضًا على قوله: بجعل المرفوع خبر مبتدأ محذوف مع واو الحال أو بدونها، والتقدير: كأنك بالشتاء وهو مقبل، وكأنك بالفرج وهو آتٍ، ويكون المعنى في الجميع: كأنك مقرون بالدنيا في حالة عدمها، وكأنك مقرون بالآخرة في دوامها، وكأنك مقرون بالشتاء المقبل، وكأنك مقرون بالفرج الآتي؛ وكأني مقرون بك في حال انحطاطك في اللحد.

والبيت من قصيدة مسمّطة في المقامة الحادية عشرة أولها:

أيا من يدَّعي الفهم ... إلى كم يا أخا الوهم

تعبي الذَّنب والذَّم ... وتخطي الخطأ الجمعة أما بان لك العيب ... أما أنذرك الشَّيب

وما في نصحه ريب ... ولا سمعك قد صُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>