للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد رأيت في نسخة من "ديوان الفرودق" هذا البيت مضبوط الميم من "قوماهما" بفتحة واحدة، وملكت هذه النسخة في جلدين، وضبط هذا البيت هو الذي كان باعثًا على شرائها، ولله الحمد والمنّة. انتهى. ثمَّ أقول: إنَّ المصنف ليس أبا عذرة هذا التحريف الباعث على الإشكال وهذه التوجيهات، وإنما هذا جميعه لأبي علي الفارسي، فأخذه المصنف من كلامه، وقصّر في عزوه إليه، فإنه لو عزاه إليه لسلم من هذه السبّة، ولكنه استسمن ذا ورم، ونفخ في غير ضرم، فنقله من طرسه، واستخلصه لنفسه، وأنا أنقل لك كلام أبي علي برمته، قال في "المسائل البغداديات": مسألة: ينشد للفرزدق هذا البيت، وهو:

وكل رفيقي كل رحل وإن هما ... تعاطى القنا قوماهما أخوان

وفي هذا البيت غير شيء من العربيّة، فمنه قال: تعاطى، وقد تقدمه اثنان، ولم يقل: تعاطيا، فإن قلت: إنه حذف لام الفعل من تعاطى لالتقاء الساكنين، ولم يرده إلى أصله للضرورة، فيقول: تعاطيا، فهو قول، وهذه الضرورة عكس ما في قول امرئ القيس: لها متنتان خظاتا ..

لأنّ هذا البيت اللاَّم في موضع وجب حذفها مثل: رمتا؛ لأنّ الحركة للتاء في رمتا غير لازمة، والفرزدق حذفه في موضع وجب إثباته، لأنك تقول: تعاطيا وتراميا، وإن قلت: تعاطى: تفاعل؛ والألف لام الفعل ليست بضمير، وفي الفعل ضمير واحد، لأنّ "هما" وإن كان في اللفظ مثنى، فهو في المعنى كناية عن كثرة، وليس المراد بالتثنية ههنا اثنين فيحمل الكلام عليها، لكنه في المعنى يرجع إلى كلّ، فحملت الضمير على كلّ، فهو قول، ويقوي هذا {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات/ ٩]، ألا ترى أنّ الطائفتين لما كانتا في المعنى جمعًا، لم يرجع الضمير إليها مثنى، لكنّه جمع على المعنى، فكذلك "تعاطى" أفرد على المعنى إذ كان لكلّ، ثمّ حمل بعد الكلام على المعنى، فقال: هما أخوان، فالقول في "هما" أنه مبتدأ في موضع خبر المبتدأ الأول،

<<  <  ج: ص:  >  >>