على هذا ممنوع، فانه لم يأت ذلك عن العرب إلاَّ في بيت "كوماء" وهو نادر، ولا يخرّج على النادر من غير ضرورة تلجيء إليه، مع انه غير متبادر إلى الذّهن. وقال الدمامبي: الحمل على هذا عند وجود مندوحة خلاف الأولى، لا سيما وقد تأيد الأفراد بقوله: نصحه، وبقوله: وما كلّ مؤت، فأفرد أيضًا، فحمل الأول على الأمر الكثير معتضد بالكثرة، وبمناسبة الصدر للعجز، فكيف يعدل عن ذلك مع عدم الملجيء إليه. انتهى.
والبيت وهو من شواهد سيبويه، أورده في آخر "الكتاب" في باب الأدغام في الحرّفين، وهو من أبيات لأبي الأسود الدؤلي. أخرج صاحب "الأغاني" عن ابن عيّاش قال: خطب أبو الأسود امرأة من عبد القيس يقال لها أسماء بنت زياد [ابن غنيم، فأسر أمرها إلى صديق له من الأزد يقال له: الهيثمَّ بن زياد]، فحدّث به ابن عمّ لها كان يخطبها، وكان لها مال عند أهلها، فمشى ابن عمها الخاطب لها إلى أهله الَّذين ما لهما في أيديهم، فأخبرهم خبر أبي الأسود، وسألهم إنَّ يمنعوها من نكاحه ومن مالها الَّذي في أيديهم، ففعلوا ذلك، وضارّوها حى تزوجت ابن عمها، فقال أبو الأسود في ذلك:
أمِنتُ أمرأ في السرّ لم يك حازمًا ... ولكنه في النصح غيرُ مُرِيب
أذاع به في النّاس حتى كانه ... بعلياءَ نارٌ أُوقدتْ بثَقُوب
وكنتَ متى لم تَرْعَ سرَّك تلتبسْ ... قوارعُه من مخطيء ومُصيب
فما كلّ ذي نصح بمؤتيك نُصحَه ... وما كلّ مؤتٍ نصحَه بلبيب
ولكن إذا ما استجمعا عند واحدٍ ... فحُقَّ له من طاعةٍ بنصِيبِ
وقوله: أذاع به .. البيت، استشهد به صاحب "الكشاف" عند قوله تعالى: {أذاعوا به}[النساء/٨٣]، على إنَّ الإذاعة تتعدى بالباء، كما تتعدَّى بنفسه،