ومواضع إرشادكم، فلقد رأيتني يوم الهّرير، وقد عزمت على الفرار، فما يردني إلاَّ قول ابن الإطنابة إلأنَّصاري:
ابت لي عفَّتِي وأَبى بَلائي ... وأَخذِي الحَمدَ بالثمَّنِ الرَبِيحِ
وإِجشامي على المكروهِ نفسي ... وضَربي هامَةَ البَطَلِ المشيحِ
وقولي كلّمل جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحيّ
لأشكبها مآثر صالحات ... وأحمي عد عن عرض صحيّح
بِذي شطَبٍ كَمثل المِلحِ صافٍ ... ونَفسٍ ما تَقر على القبيحِ
وجشأت، مهموز: جبنت، يكون ذلك من تذكرها للتهوع، ومن جزعها منه، وجاشت غير مهموز. انتهى. وقوله: أبت لي عفتي .. الخ، أبت: بمعنى كرهت، فهو فعل متعد ومفعوله محذوف تقديره: أبت الفرار، ويأتي أبي بمعنى امتنع، فهو فعل لازم، فيكون التقدير: امتنعت عن الفرار، والعفة: الكف عما لا يحسن، وروي بدله:"أبت لي همتَّي" والبلاء: المحنة، وأراد به التقحم في المهالك والحرّوب، وأراد بالحمد: ذكر الناس إياه بالنعوت الفاضلة، وأراد بالربيح: الغالي، وهو بذل النغس في المعارك. وقوله: وإجشامي: مصدر مضاف إلى الفاعل، ونفسي معفوله، مصدر أجشمه، أي: كلّفه، وروي بدله:"وإقدامي" مصدر أقدمه على كذا، وضربي: مصدر مضاف إلى الفاعل أيضًا، وهامة: مفعوله، وهي الرأس، والبطل: الشجاع الَّذي تبطل عنده الحيّل، والمشيح: اسم فاعل من أشاح، قال المبرد في "الكامل": المشيح: الحامل الجادّ،