به بعد سطرين فقال: وقد يجرى الضمير مجرى اسم الإشارة في هذا، قال أبو عبيدة قلت لرؤية في قوله:
فيها خطوط من سواد وبلق ... كأنه في الجلد توليع البهق
إنَّ أردت الخطوط فقل: كأنها، وإنَّ أردت السواد والبلق فقل: كأنهما، فقال: أردت كأنَّ ذاك ويلك! والَّذي حسّن منه أنَّ أسماء الإشارة، تثنيتها وجمعها، وتأنيثها، ليست على الحقيقة، وكذلك الموصولات، ولذلك جاء الَّذي بمعنى الجمع. انتهى كلّامه.
فهذا اعتراف منه ببطلان أول كلّامه؛ لأنَّ مقتضاه جواز الإشارة إلى المؤنثين به بشرط أنَّ يكون المشار إليه مؤولًا بالموصول، كما أنَّ الضمير كذلك، ومقتضى آخره جواز الإشارة إليهما به، فأفسد ذلك الشرط، ولم يتنبه أحد من شراحه لهذا التدافع.
واعلم أنَّ السر في كون التثنية والجمع والتأنيث في أسماء الإشارة، والموصولات ليست على الحقيقة بخلاف الضمائر، أنَّ تخصيص ما يعبّر به عن المذكر والمؤنث والمثنى والمجموع بصيغة مخصوصة، ليتميز كلّ عن إلاَّخر لدى المخاطب، حتى يفهم مراد المتكلّم، والحاجة إلى ذلك التمييز إنَّما تتحقق إذا صارت ذات كلّ غائبة عن الحس الظاهر أو الباطن، فلا تتحقق تلك الحاجة كلّ التحقيق في الإشارة والموصول، لتولي الحسّ الظاهر على التمييز في الأول، والباطن في الثاني، إذ لا تستعمل الموصولات ما لم تكن الذات معلومة بين المتكلّم والمخاطب؛ لأنَّ تعريفها بالعهد الَّذي في الصلة، بخلاف الضمير، فإنه قد يكون للغائب عن الحس، فتتحقق