للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والهالك للقلّ، والناس مسنتون، ورحمة الله يرجون، وأصابتنا سنون مجحفة مبطلة، لم تدع لنا هبعًا ولا ربعًا، ولا عافطة ولا نافطة، أذهبت الأموال، ومزقت الرجال، وأهلكت العيال. ثمَّ قالت: إني قد قلت في الأمير قولاً، قال: هاتي، فأنشأت تقول:

أحجّاج لا يفلل سلاحك إنما المنايا بكفَّ الله حيث تراها

أحجّاج لا تعطي العصاة مناهم ... ولا الله لا يعطي العصاة مناها

إذا هبط الحجّاج أرضًا مريضةً ... تتبع أقصى دائها فشفاها

شفاها من الدَّاء العضال الذي بها ... علام إذا هزَّ القناة سقاها

سقاها فروَّاها بشربٍ سجاله ... دماء رجال حيث نال حشاها

إذا سمع الحجّاج صوت كتيبةٍ ... أعدَّ لها قبل النُّزول قراها

أعدَّ لها مسمومةً فارسيَّةً ... بأيدي رجال يحلبون صراها

فما ولد الأبكار والعون مثله ... ببحرٍ ولا أرضٍ يجفُّ ثراها

قال: فلما قالت هذا البيت قال الحجّاج: قاتلها الله ما أصاب صفتي شاعر مذ دخلت العراق غيرها! ثمَّ التفت إلى عنبسة فقال: والله إني لأعدّ للأمر عسى أن لا يكون أبدًا، ثمَّ التفت إليها فقال: حسبك، ثمَّ قال: يا غلام اذهب إلى فلان فقل له: اقطع لسانها، فذهب بها فقال: يقول لك الأمير اقطع لسانها، فأمر بإحضار الحجّام، فالتفتت إليه فقالت: ثكلتك أمّك، إنما أمرك أن تقطع لساني بالصِّلة، فبعث إليه يستثنيه، فاستشاط الحجّاج غضبًا، وهمَّ بقطع لسانه، وقال: ارددها، فلما دخلت عليه قالت: كاد والله يقطع مقولي. ثمَّ أنشأت تقول:

حجّاج أنت الذي ما فوقه أحد ... إلا الخليفة والمستغفر الصَّمد

حجّاج أنت شهاب الحرب إن لفحت ... وأنت للناس نور في الدُّجى تقد

ثم أقبل الحجّاج على جلسائه، فقال: أتدرون من هذه؟ قالوا: لا والله، إلاَّ أنّا لم نر قط أفصح لسانًا، ولا أحسن محاورةً، ولا أملح وجهًا، ولا أرصن

<<  <  ج: ص:  >  >>