ثمَّ لم ألبث أن خرج في غزاةٍ له، فأوصى ابن عمه إذا أتيت الحاضرين من بني عبادة فناد بأعلى صوتك:
عفا الله عنك هل أبيتنَّ ليلةً ... من الدَّهر لا يسري إليَّ خيالها
وأنا أقول:
وعنه عفا ربّي وأحسن حاله ... فعزَّ علينا حاجة لا ينالها
[قال ثم مه! قالت: ] ثم لم يلبث أن مات فأنا أبكيه، قال: أنشديني بعض مراثيك فيه، فأنشدته:
لتبك العذارى من خفاجة نسوة ... بماء شؤون العبرة المتحدر
فلما فرغت من القصيدة قال محصن الفقعسي، وكان من جلساء الحجاج: من الذي تقول هذه هذا فيه؟ ! فو الله إني لأظنها كاذبة، فنظرت إليه ثمَّ قالت: أيها الأمير إن هذا القائل لو رأى توبة لسرَّه أن لا تكون في داره عذراء إلاَّ وهي حامل منه، قال الحجّاج: هذا وأبيك الجواب، وقد كنت عنه غنيًا! ثمَّ قال لها: سلي يا ليلى تعطي، قالت: أعط فمثلك أعطى وأحسن، قال: لك عشرون، قالت: زد فمثلك زاد فأجمل، قال: لك أربعون، قالت: زد فمثلك زاد فأفضل، قال: ستون، قالت: زد فمثلك زاد فأكمل، قال: لك ثمانون، قالت: زد فمثلك زاد فتمم، قال: لك مائة واعلمي أنها غنم، قالت: معاذ الله أيها الأمير! أنت أجود جودًا، وأورى زندًا من أن تجعلها غنمًا! قال: فما هي ويحك؟ ! قالت: مائة من الإبل برعاتها، فأمر لها بها، ثمَّ قال لها: ألك حاجة؟ قالت: تدفع إليَّ النابغة الجعدي، قال: قد فعلت، وكانت تهجوه ويهجوها، فبلغ النابغة ذلك، فخرج هاربًا عائذًا بعبد الملك، فأتبعته إلى الشام، فخرج إلى قتيبة بن مسلم بخراسان، فخرجت على البريد بكتاب الحجاج إلى قتيبة، فماتت بقومس، ويقال بحلوان.