وحسن الحال شيء آخر، وهو تشبث اللام الجارة بألف الإطلاق، فصارت كأنها معاقبة للمجرور، ألا ترى أنك لو أظهرت ذلك المضاف إليه وقلت: يا لبي فلان؛ لم يجز إلحاق الألف هنا في منابها عما كان ينبغي أن يكون بمكانها مجرى ألف الإطلاق في منابها عن تاء التأنيث في نحو قوله:
ولاعب بالعشيَّ بي بنيه ... كفعل الهرَّ يحترش العظايا
وقال في موضع آخر من "الحصائص": وسألني أبو علي عن ألف "يا" من قوله: "يالا" في هذا البيت فقال: أمنقلبة هي؟ قلت: لا؛ لأنها في حرف، فقال: بل هي منقلبة، فاستدللته علي ذلك، فاعتصم بأنها قد خلطت باللام بعدها، ووقف عليها فصارت اللام كأنها جزء منها، فصارت "يال" بمنزلة "قال" والألف في موضع العين وهي مجهولة، فينبغي أن نحكم بالانقلاب عن الواو، وهذا أجمل ما قاله، ولله هو، وعليه رحمته، فما كان أقوى قياسه، وأشد بهذا العلم اللطيف الشريف أنسه، وكأنه إنما كان مخلوقًا له، وكيف لا يكون كذلك وقد أقام عليهذه الطريقة مع جلة أصحابه وأعيان شيوخها سبعين سنة؟ ! زائحة علله، ساقطة كلفه، لا يعتاقه عنه ولد، ولا يعارضه فيه متجر، ولا يسوم به مطلبًا، ولا يخدم به رئيسًا إلاَّ بأخره، وقد حطَّ من أثقاله، وألقى عصا ترحاله، ثمَّ إني لا أقول إلاَّ حقًا: إني لأعجب من نفسي في وقي هذا كيف تطوع لي بمسألة، أم كيف تطمح بي إلي انتزاع علة، مع ما الحال عليه من علق الوقت وأشجانه! ولولا مساورة الفكر واكتداده لكنت علي هذا الشأن بمعزل، وبأمر سواه على شغل. انتهى كلامه.
والبيت أورده أبو زيد في "النوادر" لزهير بن مسعود الضبي مع بيت بعده، وهو:
ولم تشق الغواتق من غيور ... بغيرته وخليَّن الحجالا
وقال: العواتق: التي لم تتزوَّج، يعي في الفزع والغارة، وتخرج من الحجال