للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما أعمل "لا" الأولى هذا العمل أعمل "لا" الثانية عمل الأولى. ولحّنه في هذا نحويّ من أهل أصفهان؛ لأنه جعل اسم "لا" معرفة وقال: إنّ من شبّه "لا" بليس من العرب رفعوا بها النَّكرة دون المعرفة، فأجبت عن هذ بأني وجدت قومًا النحويين معتمدين على أنَّ "لا" المشبَّهة بليس إنما ترفع النَّكرات خاصَّة، وعلَّلوا هذا بأنَّ "لا" ضعيفة في باب العمل، لأنها إنَّما تعمل بحكم الشّبه لا بحكم الأصل في العمل، والنّكرة ضعيفة جدًا، فلذلك لم يعمل العامل الضَّعيف إلاَّ في النكرات، كقولك: عشرون رجلًا، ولي مثله فرسًا، وزيد أحسنهم أدبًا، فلمّا كانت "لا" أضعف العوامل، والنَّكرة أضعف المعمولات، خصّوا الأضعف بالأضعف. وجاء في شعر أبي الطَّيب إعمال "لا" في المعرفة في قوله:

إذا الجود لم يرزق خلاصًا من الأذى .. البيت.

ووجدت أبا الفتح عثمان بن جني، غير منكر في ذلك في تفسيره لشعر المتنبي، ولكنه قال بعد إيراد البيت: شبّه "لا" بليس، فنصب بها الخبر. وأقول: إنَّ مجيء مرفوع "لا" منكورًا في الشّعر القديم هو الأعرف، إلاَّ أنَّ خبرها كأنَّهم ألزموه الحذف، وذلك في قول سعد بن مالك بن ضبيعة:

من صدَّ عن نيرانها ... فأنا ابن قيسٍ لا براح

أراد: لا براح لي، أو عندي. وفي قول رؤبة:

والله لولا أن تخشَّ الطُّبَّخ ... بي الجحيم حين لا مستصرخ

أراد: لا مستصرخ لي. ومرَّ بي بيت للنّابغة الجعدي، فيه مرفوع "لا" معرفة وهو:

وحلَّت سواد القلب لا أنا مبتغٍ ... سواها ولا عن حبِّها متراخيًا

وقبله:

دنت فعل ذي حبٍّ فلمّا تبعتها ... تولَّت وردَّت حاجتي في فؤاديا

<<  <  ج: ص:  >  >>