على أنَّ مجيء "لا" هنا مكرَّرة شاذ أيضًا. وهو بيت مفرد لأميّة بن أبي الصّلت الثّقفي، قال جامع ديوانه: ذكروا أنَّ أميّة بن أبي الصّلت لمّا حضره الموت، رفع رأسه إلى السّماء، فنظر ثمَّ قال: لا عشيرتي تحميني، ولا مالي يفديني، ثم أغمي عليه ساعة، ثمَّ رفع رأسه إلى السّماء فقال:
لبيَّكما لبيَّكما ... ها أنا ذا لديكما
لا بريء من الذَّنب فأعتذر، ولا ذو قوَّة فأنتصر. ثمَّ أغمي عليه الثّانية، ثمَّ أفاق فرفع رأسه إلى السّماء فقال: لبيّكما لبيَّكما، ها أنا ذا لديكما، تلبية محقود من الذنوب، مخضود من النّعم. والمحقود: المثقل الذي قد كثرت عليه الذنوب، والمخضود: المكسور من كثرة النّعم عليه، ثمَّ أغمي عليه الثّالثة، ثمَّ أفاق، فرفع رأسه إلى السّماء، فقال: لبيَّكما لبيّكما ها أنا ذا بين يديكما، تلبية من لم يأخذ ما أعطي بشكر، ولا براءة له ولا عذر، ثمَّ قال:
كلُّ عيش وإن تطاول دهرًا ... صائرٌ مرَّةً إلى أن يزولا
ليتني كنت قبل ما قد بدا لي ... فى رؤوس الجبال أرعى الوعولا
ثمَّ قال:
إن تغفر اللَّهمَّ تغفر جمّا ... وأي عبدٍ لك لا ألمَّا
يعني: أي عبد لك لم يلمم بذنبٍ، ثمَّ مات. انتهى.
وروى خضر الموصلي في شرح شواهد التفسيرين في ترجمة أميّة هذا عن الزهري أنه قال: دخل أميّة على أخته، فنام على سرير لها في جانب البيت، فانشقَّ سقف البيت، وإذا بطائرين قد وقع أحدهما على صدره وأخرج قلبه، فقال له الآخر: ردَّه ما تصنع به؟ فرد قلبه مكانه، ثمَّ نهض فأتبعه أميّه طرفه، وقال:
لبيَّكما لبَّيكما ... ها أنا ذا لديكما
أنا لا بريء فأعتذر ولا ذو عشيرة فأنتصر، فرجعا وفعلا مثل الأوّل، ثمَّ مضيا