للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقول ابن مالك في "شرح التسهيل" وتبعه المصنّف وغيرُه أنَّ ممّن ذهب إلى مصدريَّة "لو" أبا عليّ فيه نظر، وهذا كلام أبي علي في ذلك الكتاب نقلناه برُمّته لفوائده:

ما يضُرُّ البحرَ أمسَى زَاخِرًا ... أن رَمَى فيهِ غُلامٌ بحَجَرْ

القول في فاعل يضرّ أنَّه يحتمل أن يكون أحد شيئين، أحدهما: أن تجعل ما استفهامًا، فيصير في يضر ضميرها، ويكون "أن رمى" في موضع نصب على هذا؛ فيكون التقدير: بأن رمى فيه، كأنه قال: أي شيء يضر بالبحر يرمي غلام فيه بالحجر؟ ويجوز أن تجعل ما نفيًا، فيصير موضع "أن رمى" رفعًا بأنَه فاعل تقديره: ما يضرّ البحر رَمْيٌ غلامٍ فيه بحجر، ومن ذلك قوله:

مَا ضرَّ تَغْلِبَ وائلٍ أهُجَوتَهَا ... أمْ بُلْتَ حيث تناطحَ البحرانِ

إن جعلتَ ما استفهامًا صار في "ضرّ" ذكر يكون فاعل ضرّ، وعائد إلى المبتدأ كقولها "مَا كانَ ضَرَّكَ لَوْ مَنَنْتَ .. البيت". فكما أنَّ فاعل ضرّك في هذا البيت في المعنى ما يعود إلى ما؛ كذلك يكون قوله: ما ضرّ تغلب وائل: أيّ شيء ضرّها؟ وهذا هو الوجه. فإن قلتَ: فهل يجوزُ أن أجعل ما نفيًا في قوله: ما ضرّ تغلب وائل؟ فإنَّك إن جعلتها كذلك لم يكن للفعل فاعل، فإن قلت: أجعل الفاعل فيه أحد شيئين، أحدهما: أني إذا قلت: "ما ضرّ" دلَّ الفعل على المصدر، فأجعل الفاعل ضمير المصدر، فيكون التقدير: ما ضرّها ضرَ أو ضير، لأنه بمعنى الضرّ، وقد قال: لا ضير، بمنزلة: قيل فيه قول، وذهب به مذهب، ويكون قوله: "أهجوتها أم بلتَ حيث تناطح البحران" اتّصاله بالكلام على المعنى كأنه يريد: هجوك لها وقولك في هذا المكان سواء في أنهما لا يضرّانِها، ويقوي ذلك أنّه ليس باستفهام، ألا ترى أنّه ليس يستفهمه عن ذلك! ومثل هذا في تأويل قول سيبويه قول الشّاعر:

فَقُلتُ تحَمَّلْ فوقَ طوقِكَ إنها ... مُطبَّعة مَنْ يأتِهَا لا يضِيرُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>