ويبدي من الأيف خلاف ما يبطن، فإن قيل: كان يجب أن لا يصفه بنحول ولا اكتئاب حين وصفه بمواصلة الرقاب! فالجواب: أنه قد يكون العاشق عند ذلك أحرص عليه وأشد صبابة إليه، كما قال ابن الرومي:
وألثمُ فاها كيْ تموتَ حرارتي ... فيشتدُّ ما ألقى من الهيمان
وقوله: إذا بصر الأمير .. إلخ، قال: يقال نضوت السيف، وانتضيته: إذا سللته، والجو: ما بين السماء والأرض، والآل: السراب، شبه به ماء السيف الذي يرى عليه وهو من التشبيه البديع، لأن السراب شيء لا يتحصل كما أن ما يرى على السيف من الماء شيء لا حقيقة له. وقوله: ودبت فوقه ... إلخ، قال: العرب تشبه فرند السيف وما عليه من الوشي بآثار النمل، فجعل أبو العلاء تلك الآثار آثار المنايا، ووصف أنها دبت فيها لتصل إلى الأرواح، وقوله: يذيب الرعب .. إلخ، أذابه: أسأله، والرعب: الخوف، والغضب: السيف القاطع، والرعب فاعل، وكل مفعول.
والمعري: هو أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي، ولد بمعرة النعمان بين حلب ودمشق سنة ثلاث وستين وثلاثمائة، وذهب بصره بعلة الجدري سنة سبع وستين، وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة، ورحل إلى بغداد سنة ثمان وتسعين، وأقام بها سنة وسبعة أشهر، ثم رجع إلى بلده، فأقام، ولزم منزله إلى أن مات يوم الجمعة الثاني من ربيع الأول سنة تسع وأربعين وأربعمائة، وكان غزير الفضل، شائع الذكر، وافر العلم، غاية في الفهم، عالمًا باللغة، حاذقًا بالنحو، جيد الشعر، جزل الكلام، واختلف في اعتقاده، فقيل: إنه من خلص الموحدين، وقيل: إنه رأس الملحدين. والله أعلم به.