للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقالت: خرج وهو جنب حين سمع الهاتفة، ثمَّ أنزل الله نصره على المسلمين، فحسوهم بالسّيوف حتى كشفوهم عن العسكر، وهربت النساء مشمرات، ولم يزل اللواء صريعًا حتى أخذته عمرة الحارثية، فرفعته لقريش، فلاثوا به، وكان اللَّواء مع صُؤاب، غلام حبشي لبني أبي طلحة، وكان آخر من أخذه منهم، فقاتل به حتى قطعت يداه، ثم برك عليه، فأخذ اللواء بصدره وعنقه، حتى قتل عليه، وهو يقول: اللهمَّ هل أعذرت، فقال حسان في ذلك:

فَخَرْتُمْ باللواءِ وشرُّ فَخْرٍ ... لِواءٌ حينَ رُدَّ إلى صُؤابِ

جعلتُمْ فخرَكُمْ فيهِ لعبدٍ ... وألأمُ مَنْ يطَا عَفَرَ التُّرَابِ

ولما مالت الرماة إلى العسكر، وخلا ظهور المسلمين للخيل، فجاء المشركون من خلفهم، وصرخ صارخ: إلا إنَّ محمدًا قد قُتل، فانكفؤوا على المسلمين بعد أن أصابوا أصحاب اللواء حتى ما يدنو أحد من القوم إليه، وانكشف المسلمون، فأصاب فيهم العدو، وكان يوم بلاء وتمحيص أكرم الله فيه من أكرم بالشهادة، وهذا معنى قول كعب بن مالك رضي الله عنه:

فَفِيمَا يكثُرُ القِيلُ

يعني، إنّا نلنا منكم، ونلتم منّا، ففي أيّ شيء يكثر قولكم وفخركم؟

وقد تصحفت الكلمة الأخيرة من البيت بالقتل بالمثناة الفوقية، فقال في البيت كلام من جهة العروض، وذلك أنه من بحر البسيط من عروضه الأولى وضربها الثاني وهو المقطوع، كأنَّ أصله (فاعلن) حذفت نونه، وسكنت لامه، فصارت (فعلن) بإسكان العين، فقد ذهب منه زنة متحرك، وما ذهب ذلك منه وجب أن يكون مردفًا، أي: يؤتى قبل حرف الروي بحرف لين، وهذا البيت غير مردوف،

<<  <  ج: ص:  >  >>