وربما كان أميالًا، وأراد بأحاديث البعيث هجوَ جرير إيّاهُ، وكان يتحدَّثُ به الناس، والبعيث من رهط الفرزدق. وقوله: فقلت أظن: الهمزة للاستفهام، وابن الخبيثة فاعل ظن، قال ابن حبيب: يريد بابن الخبيثة جريرًا، يقول: إنما أراد جرير بهجاء البعيث غيره، كما صنع رامي الكنانة بصاحبها، وذلك أنَّ رجلًا من بني فزارة ورجلًا منبني أسد كانا راميين، فالتقيا، ومع الفزاري كنانة جديدة، ومع الأسدي كنانة رثة، فقال الأسديُّ للفزاري: أنا أرمي [أو أنت؟ قال الفزاري: أنا أرمي] منك، فقال له الأسدي: فإن أنصب كنانتي، وتنصب كنانتك حتى نرمي فيهما، فنصبَ الأسدي كنانته، فجعل الفزاري يرميها، فيقرطس حتى أنفّد سِهَامَهُ كلّها، فلما رأى الأسدي أن سهام الفزاري قد نفدت، قال: انصب لي كنانتك حتى أرميها فرمى فسدد السهم نحوه حتى قتله، فضربه الفرزدق مثلًا. انتهى. وقوله: أنا الضامن الراعي عليهم المشهور من غير هذه الرواية: "أنا الذائد الحامي الذمار" والذائد من الذود وهو الطردُ، والذمار بالكسر، قال الزمخشري في "الأساس": هو الحامي الذمار: إذا حمى ما لو لم يحمه ليم، وعنَّف عليه، والحسب: ما يعدّه الإنسان من مفاخِر آبائه، ومراده أنه الذي يدافع عن أحسابهم لا غيره، ولو قال: وإنما أدافع عن أحسابهم، لكان معناه: إنّه يدافع عن أحسابهم لا عن أحساب غيرهم، وهو غير مراده، وترجمة الفرزدق تقدمت في الإنشاد الثاني من أوَّل الكتاب.