للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدًا أبدًا، وأن يقيد نفسه حتى يجمع القرآن، فلمّا قدم البصرة قيّد نفسه، وقال:

أَلَمْ تَرَنِي عَاهَدْتُ رَبِّي وَإِنَّنِي ... لَبَيْنَ رِتَاجٍ قَائِمٌ وَمَقَامِ

عَلى قَسَمٍ لا أَشْتِمُ الدَّهْرَ مسلِمًا ... وَلا خَارِجًا مِنْ فِيَّ زُورُ كَلامِ

قال: وبلغ نساء بني مُجاشع فحشُ جرير بهنًّ، فأتين الفرزدق مقيدًا، فقلت: قَبَّحَ اللهُ قيدَك، وقد هتك جرير عوراتِ نسائِك، فَلُحِيتَ شاعرَ قومٍ، فأغضبنه، ففضَّ قيده، وقال:

أَلا اسْتَهْزأتْ مِني هُنَيدةُ أن رَأَتْ ... أسِيرًا يُدانِي خَطْوَهُ حَلَقُ الحِجْلِ

وَلَوْ عَلِمَتْ أَنَّ الوَثَاق أَشَدُّهُ ... إلى النَّارِ قَالَتْ لي مَقَالَةَ ذي عَقْلِ

لَعَمْرِي لَئِنْ قَيَّدْتُ نَفْسي لطالمَا ... سَعَيْتُ وَأَوْضَعْتُ المَطْيَّةَ فِي جَهْلِ

ثَلاثِينَ عَامَا مَا أَرَى مِنْ عَمَايَة ... إذَا بَرَقَتْ إلاَّ أشُدُّ لهَا رَحْلي

أتَتْنِي أحَاديثُ البَعيثِ ودُونَهُ ... زَرُودُ فَشَامَاتُ الشَّقِيقِ مِنَ الرَّمْلِ

فَقُلْتُ أَظَنَّ ابنُ الخَبيثةِ أنَّني ... شُغِلْتُ عَنِ الرَّامي الكِنَانَةَ بالنَّبْلِ

فَإنِ يَكُ قَيْدِي كانَ قَيْدًا نذَرْتُه ... فَمَا بِي عَنْ أَحْسَابِ قَوْمِي مِنْ شُغْلِ

أَنَا الضَّامِنُ الرَّاعي عَلَيْهِمْ وَإنَّمَا ... يُدَافعُ عَنْ أَحْسَابِهِم أَنا أَوْ مِثْلي

قوله: يداني خطوها خطوَ: مفعول يداني، وحلق فاعل مؤخر، والحِجل بالكسر: القيدـ، وقوله: ولو علمت أن الوثاق، قال ابن حبيب: يريد استهزأت به حين رأته يرسف في القيد، ولو علمت أن أشد الوثاق وثاق النار ما استهزأت به، ولا لامت رجلًا قيد نفسه خوف النار. وأوضعت المطية إيضاعًا: رفعتها في السير، ووضعت هي تضع وضعًا: إذا أسرعت، والعماية بالفتح: الجهالة، يقول: لم أكن أرى جهلًا، إلا قصدتُ إليه وركبته، [وزرود: لبني مجاشع بين الثعلبية والأجفر]، ليس بني دارم بالطرق ماء غيره، والشقيقة: الجددُ بين الرملتين،

<<  <  ج: ص:  >  >>