ومراد الزجاج بالجواز ورود الوجهين بعد إنما، أحدهما في البيت، والآخر في الايات بقطع النظر عما يعين أحدهما، وقد غفل عن هذا من ظنه واردا غير مندفع، وتوجهه بأنه بمعنى ما وإلا فيه أنه لا يلزم من كون شيء، بمعنى شيء أن يُعطى حكمه من سائر الوجوه، مع أنه قياس مع الفارق، لأن ما بعد إلا ليس فاعلًا، بل بدل مفرغ بتقدير: ما يضرب أحد، فيلزم انفصاله للفصل بينه وبين العامل، وأيضًا عامل أن لا يكون ماضيًا ولا مضارعًا، مبدوءًا بياء تحتية كقام أنا، ويضرب أنا، بخلافه بعد إلا، وقول السعد: إنا لا نسلّم أنَّ العل هنا غائب، لأنَّ غيبته وتكلمه وخطابه باعتبار المسند إليه، فليس غائبًا في: ما يقوم إلا أنا، ولو سلم فالمسند إليه هو المستثنى منه وهو غائب: لا وجه له لما قدمناه، ولم يأتوا من كلام العرب بما يشهد لانفصال الضمير في السعة، وبيت الفرزدق قد قيل: إنه ضرورة، وادّعاء مراعاة المعطوف وهو "مثلي" عكس المسموع في نحو: (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)[البقرة/ ٣٥]، وأما قوله: إنما نقتل إيانا، فقد تقدم ما فيه، وقول السيرافي: إنه بمعنى: ما يقتل بعضنا بعضًا، فلا محذور فيه: فيه بُعد لركاكته.
واعلم أنَّ الحقَّ في دلالة إنما على الحصر أنّه إن قيل بانفصال الضمير بعدها، فهو بطريق المنطوق، وإلَّ فلا.
هذا والبيت من قصيدة طويلة للفرزدق هِجا بها جريرًا، قال ابن حبيب في شرح المناقضات، قال أبو عبيدة: حدثني مِسْحل بن كُسَيْب، قال: حدثني أمي ربداء بنت جرير قالت: مر بنا الفرزدق حاجًا وهو مُعادِلٌ النوار بنتَ أعين بن ضُبيعة امرأتَه، حتى نزل بِلُعاظ ونحن بها، فأهدى له جرير، ثم أتاه، فاعتذر إليه من هجائه البعيثَ، وقال: فَعَلَ وفَعَلَ، ثمَّ أنشده جرير والنوارُ خلفه في فسيطيط صغير، فقالت: قاتله الله ما أرقَّ منسبتَهُ، وأشدَّ هجاءه، فقال الفرزدق: أترين هذا، أما إني لن أموت حتى أبتلى بمهاجاته، قالت: فلم يلبث من وجهه أن هجا جريرًا، فلمّا حجَّ عاهج الله بين الباب والمقام أن لا يهجو