للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طَوَتْكَ خُطُوبُ دَهْرِكَ بعدَ نَشْرٍ ... كَذَاكَ خُطُوبُهُ نُشْرًا وَطَيَّا

فَلَوْ نَشَرَتْ قُوَاكَ لِيَ المَنَايَا ... شَكَوْتُ إِلَيْكَ مَا صَنَعَتْ إلَيَّا

بَكَيْتُكَ يَا أُخَيَّ بِدَمْعِ عَيْنِي ... فلَمْ يُغْنِ البُكَاءُ عَلَيْكَ شَيَّا

كَفَى حُزنًا بِدَفْنِكَ ثُمَّ إنِّي ... نَفَضْتُ تُرَابَ قَبْرِكَ عَنْ يَدَيَّا

وكانَتْ في حَيَاتِكَ لي عِظَاتٌ ... فَأَنْتَ اليَوْمَ أَوْعَظُ مِنْكَ حَيَّا

وكان إسماعيل بن القاسم لا يكاد يًخلي شعره مما تقدَّم من الأخبار والآثار، فينظم ذلك الكلام المنشور، ويتناوله أقرب متناول، ويسرته أخفى سرقة. فقوله:

فَأَنْتَ الْيَوْمَ أَوْعَظُ مِنْكَ حَيَّا

إنما أخذه من قول الموبذِ الحاضر لقُبّاذ حيث مات، فإنه قال في ذلك الوقت: كان الملك أمس أنطق منه اليوم، وهو اليومَ أوعظُ منه أمس، وأخذ قوله:

قَدْ لَعَمْرِي حكيْتَ لي غُصَصَ المَوْ ... تِ وحَرَّكْتَني لَهَا وَسَكَنْتَا

من قول نادب الإسكندر، فإنَّه لما مات، بكى من كان بحضرته، فقال نادبه: حركنا بسكونه. انتهى كلام المبرد. وكذا روى هذه الأبيات لأبي العتاهية ابن عبد ربه في "العقد الفريد" وعليّ بن أبي الفرج في "الحماسة البصرية" وقال أبو علي القالي في "ذيل الأمالي": حدَّثنا أبو بكر قال: حدَّثنا ابن الأنباري، قال: حدَّثنا أبو الحسن الأسدي، قال: حدَّثنا الرياشي، عن العتبيَّ عن أبيه، قال: رأيت امرأة بِضَرِيّة جالسة عند قبر تبكي وتقول:

ألا مَنْ لي بِأُنْسِكَ يَا أُخَيَّا ... وَمَنْ لي أَنْ أَبُثَّك مَا لَدَيَّا

طَوَتْكَ خُطُوبُ دَهْرٍ بَعْدَ نشرٍ ... كذَاكَ خُطُوبُهُ نَشْرًا وَطَيَّا

إلى آخر الأبيات، والله أعلم بحقيقة الحال.

<<  <  ج: ص:  >  >>