للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مفعولًا ثانيًا لجاعل؟ قلت: يلزم إذن أن تكون التاء لتأنيث الموصوف وقد علمت أن موصوفها مذكر، ثمَّ لا يخفى عليك أنَّ الذريعة في اللّغة: الوسيلة، يقال: تذرع فلان بذريعة، أي: توسل، وتوسل إليه بوسيلة، إذا تقرَّب إليه بعمل، والذريعة مستعملة بإلى، قال السكاكي في الحالة التي تقتضي كون المسند إليه موصولًا: ربما جُعِل ذريعة إلى التعريض بالتعظيم، وربما جُعِل ذريعة إلى شأن الخبر، فها هنا التسليع وسيلة، والمطر متوسل إليه، والجاهليّون هم المتوسّلون، فعلى هذا تَرْكُ صلة الذريعة غلط، واستعمال ذريعة مفعولًا له بدون اللام غلط، لأنه شرط في انتصابه أن يكون مصدرا وفعلا لفاعل الفعل المعلل، ومقارنًا في الوجود، ومتى فقد شيء من ذلك فاللام واجب، وأيضًا إبدال اللام من "بين" في قوله لك غلط، وإيراد العطف ف يغير محلّه غلط، وإذ كان التسليع بينهم وسيلة إلى المطر أراد أن يقول على طريقتهم المثلى: أتسلع البيقور تذرعًا إلى المطر بينك وبين الله! ؟

والحاصل أنَّ أوَّل الأغلاط التسعة فيه: العدول من حق الكلام الذي هو الجملة الفعلية إلى الجملة الاسمية، ثانيها: تنكير ما كان حقه التعريف، ثالثها: ذكر ما لزم تركه عرفًا، رابعها: إفراد ما لزم جمعه، خامسها: تأخير ما لحقه التقديم، ـ ـسادسها: إجراء بعض الأسماء على الموصوف، سابعها: ترك الصلة رأسًا، ثامنها: إبدال ما لا يصلح للإبدال، تاسعها: إيراد حرف العطف في غير محلّه. هذا غاية ما أمكن لنا في التفصّي عن الأغلاط، وللباحثين عنها مجال ان يمنع كل واحد منها، ويلاحظ فيها وجوهًا أخر. هذا آخر كلامه، ومن خطه نقلت وعُرِفَ ردّها ممّا قدَّمناه. وقوله: ترك الصّلة غلط لم يقل به أحد، وقوله: ذريعة مفعول له سهو وغفلة، فإنّه المفعول الثاني لجاعل كما قدّمه هو.

<<  <  ج: ص:  >  >>