للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحد من أهل الأدب أن علي بن الحسين حج، فاستجهر الناس جماله، وتشوقوا له، وجعلوا يقولون: من هذا، فقال الفرزدق:

هَذَا الّذي تَعْرِفُ البَطْحاءُ وَطْأتَهُ ... وَالبَيْتُ يعْرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ

هَذَا ابْنُ خَيْرِ عِبَادِ اللهِ كُلِّهِمُ ... هَذَا التَّقِيُّ النَّقِيُّ الطَّاهِرُ الْعَلَمُ

إذَا رَأَتُهُ قُرَيْشٌ قَالَ قائِلُهَا ... إلى مَكارِمِ هَذَا يَنْتَهِي الْكَرَمُ

يَكادُ يُمْسِكُهُ عِرْفَانَ رَاحَتِهِ ... رُكْنُ الحَطِيمِ إذَا مَا جَاءَ يسْتلِمُ

يُغْضِي حَيَاءً وَيُغْضَى مِنْ مهابَتِهِ ... فَلا يُكَلَّمُ إلا حيِنَ يَبْتَسِمُ

أَيُّ القَبَائِلِ لَيْسَتْ في رِقَابِهِمُ ... لِأَوَّلِيَّةِ هَذَا أُوْ لَهُ نِعَمُ

مَنْ يَشْكُرِ اللهَ يَشْكُرْ أَوَّلِيَّةَ ذَا ... فَالدِّينُ مِنْ بَيْتِ هَذا نالَهُ الأُمَمُ

وفي رواية الغلابي أن هشام بن عبد الملك حج في خلافة عبد الملك أو الوليد، وهو حديث السن فأراد أن يستلم الحجر، فلم يتمكن من ذلك لتزاحم الناس عليه، فجلس ينتظر خلوة، فأقبل علي بن الحسين، رضي الله عنهما، وعليه إزار ورداء، وهو أحسن الناس وجهًا، وأطيبهم ريحًا، وبين عينيه سجادة كأنها ركبة عنز، فجعل يطوف بالبيت، فإذا بلغ الحجر، تنحى عنه الناس حتى يستلمه هيبة له وإجلالًا، فغاظ ذلك هشامًا، فقال رجل من أهل الشام لهشام: من الذي قد هابه الناس هذه الهيبة؟ فقال هشام: لا أعرفه، لئلا يرغب فيه أهل الشام، فقال الفرزدق وكان لذلك حاضرًا: لكني أعرفه، وذكر الأبيات، وهي أكثر مما رويناه، وإنما تركناها لأنها معروفة، فغضب هشام، وأمر بحبس الفرزدق بعسفان بين مكة والمدينة، فبلغ ذلك علي بن الحسين رضي الله عنه، فبعث إلى الفرزدق باثني عشر ألف درهم، وقال: اعذرنا يا أبا فراس، فلو كان عندنا في هذا الوقت أكثر من

<<  <  ج: ص:  >  >>