للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كان هو أي: كائن من مطر، وقد كان هو أي: كائن من حديث. ومجيء اسم الفاعل فاعلًا يدل عليه الفعل سائغ في كلام العرب، قال تعالى: ) سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ((المعارج/١) وقال بعض أصحابنا في: قد كان من مطر، تقديره: قد كان كائن، فحذف الموصوف، وقامت "من" مقامه إذ هي في موضع الصفة، وذلك يحسن في الكلام، وإن كانت الصفة غير مختصة. انتهى.

وهذا تخريج فاسد، لأنه يلزم من ذلك أن يكون المجرور فاعلًا، وأما "من بين ساعة" فمن للسبب، أي: أرى شيئًا عظيمًا كالموت من بين ساعة، وأما: "من أشد الناس عذابًا" ففي "إن" ضمير شأن محذوف، وأيضًا لا يمكن زيادتها من حيث الشرع، لأن ثم من هو أشد عذابًا من المصورين كقتلة الأنبياء، وأما تخريج ابن جني فتخريج أعجمي لا يحتمل مثله في القرآن، ولا يظهر معنى لتخريجه، وأما (يغضوا منْ أبصارهمْ) فمن للتبعيض، لأنهم أمروا بغض بعضها مما كان في النظر امتناع شرعي، وكذلك هي للتبعيض في (وعدَ اللهُ الذينِ آمنوا وعملوا الصالحات منهمْ مغفرةً) (الفتح/ ٢٩)، وأما في ضرورة الشعر، فيجيزون زيادىها في الواجب وفي المعرفة والنكرة، إلى هنا كلام أبي حيان.

وقال ناظر الجيش بعد هذا: وأقول لا حاجة إلى تكلف هذه التخريجات، لما ورد في هذه الأبيات، لأن البصريين يجيزون زيادة "من" في الكلام الموجب، ودخولها على المعرفة في الشعر، وإذا كان كذلك، فلا حاجة إلى تكلف الجواب عن الوارد فيه. انتهى.

والبيت من قصيدة لعمر بن أبي ربيعة مذكورة في "منتهى الطلب" ومطلعها:

صحا القلبُ عنْ ذكرِ أمَّ البنينِ ... بعدَ الذي قدْ مضى في العصرْ

وأصبحَ طاوعَ عذالهُ ... وأقصرَ بعدَ الإباءِ المبرْ

أخيرًا وقدْ راعهُ لائحٌ ... من الشيبْ منْ يعلهُ ينزجر

<<  <  ج: ص:  >  >>