للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصرت كأني المقصود، وهذا من باب التمثيل، لأنه جعل الكنانة مثلاً لمولاه الذي يستودعه سره، كما يستودع الرجل الكنانة سهمه.

والتمثيل من محاسن الكلام، وهو أن يروم الشاعر ذكر معنى، فيعدل على الإفصاح به إلى ما يجري مجرى المثل، فيكون مبنياً على مراده فيه، كقول الشاعر:

رماني بأمر كنت منه ووالدي ... بريئاً ومن أجل الطوي رماني

أراد أنه رجع إليه ما رمى به من قولهم: "من حفر بئراً لأخيه وقع فيها" وكقول الوليد بن عقبة يخاطب معاوية:

وإنك والكتاب إلى علي ... كدابغة وقد حليم الأديم

أراد أن كتابة إلى علي لا يجدي شيئاً، وكقول ابن ميادة:

ألم تك في يمنى يديك جعلتني ... فلا تجعلني بعدها في شمالكا

أراد: كنت مقرباً عندك، فلا تبعدني.

وقال التبريزي: وقيل: هذا مثل مضروب، وذلك أن رجلاً من بني فزارة، وآخر من بني أسد، التقيا ومع الفزاري كنانة جديدة، ومع الأسدي كنانة رثة، فقال الأسدي: أينا أرمى؟ فقال الفزاري: أنا، فقال الأسدي: فانصب كنانتك أرمي فيها، فإني أنصب كنانتي حتى ترمي فيها، فنصب الأسدي كنانته، وجعل الفزاري يرميها حتى أنفذ سهامه، فلما رأى الأسدي سهام الفزاري قد نفدت، قال: انصب لي كنانتك حتى أرميها، فنصبها، فرمى، وسدد السهم نحوه حتى قتله، فضرب مثلاً لمن يعمل عملاً وهو يريد غيره.

يقول: إذا تعرض لمن يليني، فقد تعرض لي، وأكون بمنزلة من ترمى كنانته وهي عليه لا يؤمن أن يصيبه ما يطيش من الشدة. انتهى، وتقدم هذا المثل بعينه في الإنشاد التاسع بعد الخمسمائة.

<<  <  ج: ص:  >  >>