للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إمام حافظ ثقة مأمون فيما ينقله، فكان ينبغي له التأدب معه لشأنه الرفيع، ومقامه المنيع، ويقول بعد ما نقله عن سيبويه: ولعل سيبويه قاله في باب آخر غير هذا، فإن كتاب سيبويه بحر لا يدرك قراره، أوي راجع شروح "المفصل" فإن غالب شراحه حفظة الكتاب، ومميزو القشر من اللباب، وهذا ابن يعيش وهو إمام جليل اطلع على كلام سيبويه المنقول، فقال بعد كلام "المفصل": هذا هو الظاهر من كلام سيبويه، وذلك أنه قال في تحقيق الكلام على "من" و "متى"، وكذلك "هل" إنما هي بمنزلة قد، ولكنهم تركوا الألف إذ كانت هل إنما تقع في الاستفهام ثم نقل السيرافي تقدير كلام سيبويه.

وأقول: أورده سيبويه قبيل باب: "ما لا ينصرف وما ينصرف" بأسطر، وهذا الباب آخر النصف الأول من الكتاب، وأول النصف الثاني منه، وهذا نص كلمه بحروفه: هذا باب تبيان "أم" لم دخلت على حروف الاستفهام، ولم تدخل على الألف، تقول: أم هل تقول، ولا تقول: أم أتقول، وذلك أن أم بمنزلة الألف، وليست "من" و"متى" و"ما" بمنزلة الألف، وإنما هي أسماء بمنزلة هذا وذاك، إلا أنهم تركوا الألف التي للاستفهام هاهنا، إذ كان هذا النحو من الكلام لا يقع إلا في المسألة، فلما علمنا أنه لا يكون إلا كذلك استغنوا عن الألف، وكذلك "هل" إنما هي بمنزلة "قد" إلا أنهم تركوا الألف إذ كانت هل لا تقع إلا في الاستفهام، قلت: بما بال أم تدخل عليهن وهي بمنزلة الألف؟ فقال: إن أم إنما تجيء هنا بمنزلة "لا بل" للتحول من شيء إلى شيء، والألف لا تجيء أبداً إلا مستقبلة، فهم قد استغنوا في الاستقبال عنها، واحتاجوا إلى أم، إذ كانت لترك شيء إلى شيء، لأنهم لو تركوها، فلم يذكروها؛ لم يتبين المعنى. انتهى كلام سيبويه.

<<  <  ج: ص:  >  >>