ألم تر أن ريب الدهر يعلو ... أخا النجدات والحصن الحصينا
ولم أجد الفتى ينجو بشيء ... ولو أثرى ولو ولد البنينا
وقوله: دعا بالبقة .. إلخ جذيمة: فاعل دعا، وكان ملك قضاعة بالحيرة من قبل أردشير بن بابك، وكان قتل أبا الزباء ملك الشام والجزيرة من قبل الروم، وملكت بلاد أبيها بعده، ثم إن جذيمة خطبها، فأجابته، فسار إليها حتى إذا كان ببقة، وهو موضع بين هيت والأنباء، استشار أصحابه، فأشاروا بالشخوص إليها، إلا قصير ابن سعد اللخمي، وقال: إن النساء يهدين إلى الأزواج. انصرف عنها، فأبى، وسافر حتى رأى مدينتها والكتائب من دونها هالة، فقال لقصير: ما الرأي؟ قال: تركت الرأي ببقة، وقال: إن لقيتك الكتائب، وساروا أمامك، فقد خاب ظني، وإن أحاطوا بك، فإني معرض لك "العصا" وهي فرس لا يشق غبارها، فجعلوا يتلقونه ولا يرجعون، فعرض له العصا، فلم ينتبه، فركبها قصير ونجا، وورد الحيرة، ولما دخل جذيمة على الزباء، أمرت برواهشه فقطعت واستنزفته حتى مات. وكان جذيمة استعمل على ملكه ابن أخته عمر بن عدي، فأشار إليه قصير بأخذ ثأره من الزباء، فقال: لا أقدر، فجدع قصير أنفه، وأتى الزباء، فقال: اتهمني عمرو في مجيء خاله إليك، فجدع أنفي، فلم تقر نفسي عنده، وإن لي بالعراق مالاً كثيراً، فأعطني شيئاً وأرسليني بعلة التجارة حتى آتيك بطرائف العراق: ففعلت، فأطرها وزادها مالاً كثيراً، فردته ثانية فأطرفها وزادها، فتلطف حتى علم موضع النفق وهو السرب، فردته ثالثاً فأتى عمراً، وقال: احمل الرجال في الصناديق على الإبل ففعل، وفيهم عمرو، فلما دخلت العير المدينة، وحلوا الصناديق، شد عليها الرجال فهربت طلب السرب، فاستقبلها قصير وعمرو، فضربها عمرو، فقتلها، ونهب الأموال، وسبى الذراري.