وإنما لزمت أم هنا لأنك تريد معنى أيهما, ألا ترى أنك تقول: ما أبالي أي ذلك كان, وسواء على أي ذلك كان, والمعنى واحد. وأي ههنا تحسن وتجوز كما جازت في المسألة, ومثل ذلك: ما أدري أزيد ثم أم عمرو, وليت شعري, أزيد ثم أم عمرو, فأوقعت أم ههنا كما أوقعته في الذي قبله, لأن هذا يجري على حرف الاستفهام حيث استوى علمك كما جرى الأول, ألا ترى أنك تقول ليت شعري أيهما ثم, وما أدري أيهما, فيجوز أي ويحسن, كما جاز في قولك: أيهما ثم. هذا كله كلام سيبويه.
فأنت ترى كيف أشرك الهمزتين في أي, وفصل الكلام على همزة التسوية الواقعة بعد تلك الكلمات الأربع عن همزة الاستفهام الحقيقي بقوله: ومن هذا الباب, ومثل لهمزة التسوية بأمثلة وقعت أم فيها بين مفردي جملة واحدة, وأقره عليه السيرافي وأبو علي الفارسي في تعليقته على «الكتاب».
قال السيرافي بعدما قرر كلام سيبويه وشرحه: وقد اتسعت العرب في ذلك, أي: في الاستفهام, فاستعماوه في غير الاستفهام في مواضع مختلفة إلى أن قال: ومنه: م أدري أزيد في الدار أم عمرو؟ فهذه حال السائل. فإذا سأل وهذه حاله قال: أزيد في الدار أم عمرو, ومنه قول القائل: ليت شعري أزيد في الدار أم عمرو, وتمنى أن يعلم ما يسأل عنه السائل إذا قال: أزيد في الدار أم عمرو, ومنه: ما أبالي أزيد جاءك أم عمرو, سويت بين الأمرين في منزلتهما عندك, وهو أنهما عليك سواء, ومنه: سواء علي أقمت أم قعدت, ومعناه: قيامك وقعودك علي مستويان, وإنما جاز الاستفهام وأم في هذه الأشياء, وإن لم تكن استفهامًا, لما فيها من التسوية والمعادلة, فشبهت من الاستفهام بما فيها من التسوية والمعادلة, لاجتماعهما في التسوية والمعادلة, لا في حرف الاستفهام, كما جرى